أقرأ عن : الرجل الحكيم والمشروع العظيم ..الانطلاقة المباركة – مستويات الطرح والتثقيف
رجل حكيم ومشروع عظيم
نعيش هذه الأيام ذكرى أليمة وفاجعة ومأساة فقدان الأمة لواحد من أعلامها الصادقين وعظمائها المخلصين الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) صاحب العقل النافذ، والحس المرهف، والمنطق القرآني السديد، وسيد النبل والكرم والإباء والشهامة وعلى أيدي أشقياء الأمة الذين نفذوا تلك الجريمة استرضاء وتنفيذا لرغبات أمريكا المجرمة وفي وقت كانت الأمة بأحوج ما تكون إليه في ظل الهجمة العدوانية الغير مسبوقة التي قادتها أمريكا وحشدت تحت لوائها كل العالم المستكبر وتحت عناوين مضللة ومخادعة كعنوان (الحرب على الإرهاب) وبالطبع المعنى الأمريكي للإرهاب هو الإسلام والقرآن كما أكد على ذلك الشهيد القائد (رضوان الله عليه)، وكما رأيناه ونراه اليوم في السلوك الأمريكي الإجرامي بحق أمتنا وهويتنا وديننا وقرآننا.
الانطلاقة المباركة
كان الشهيد القائد (رضوان الله عليه) بما حمله من وعي قرآني يراقب الأحداث والتطورات على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية ويرى تداعي الأمم على أمة الإسلام كما تتداعى الكلاب الجائعة على فريسة مهيأة.
كان يشاهد التحشيد العسكري الأمريكي والغربي على منطقتنا وفي ظاهره عناوين مضللة مخادعة هدفها تخدير الشعوب الإسلامية أما الهدف الحقيقي كما أوضحه الشهيد القائد بنفسه: (جاءوا ليستذلونا).. ولأن الساحة الإسلامية والعربية كانت مهيئة بشكل كبير لتقبل هيمنة اليهود والنصارى فلم يكن في الساحة من يستنهض الأمة التي غلب على أبنائها الحيرة والتردد أما الأنظمة العربية فقد أصبحت منجذبة للأمريكي أكثر من انجذابها إلى شعوبها إن واقع الأمة كان كما وصفه الشهيد القائد (رضوان الله عليه): ((الوضع الذي نعيش فيه وتعيش فيه الأمة العربية, الأمة الإسلامية، ونحن نسمع تهديدات اليهود والنصارى، تهديدات أمريكا وإسرائيل وسخريتها من الإسلام ومن المسلمين ومن علماء الإسلام ومن حكام المسلمين بشكل رهيب جداً، تجد موقف الناس الآن موقف الناس بكل فئاتهم يتنافى مع الحكمة، أي هم فقدوا الآن الموقف الحكيم مما يواجهون، الرؤية الحكيمة لما يواجهون، النظرة الصحيحة للوضع الذي يعيشون.
فقدوا الحكمة فعادوا إلى الأُمية، عدنا إلى الأمية من جديد، بينما الله سبحانه وتعالى كان قد أنقذنا من تلك الأمية, كنا عرب بدائيين لا نعرف شيئاً: لا ثقافة، لا تعليم، لا وعي، وعي يكون بمستوى قضايا عالمية، قضايا تَهُمَّ الإنسان كإنسان بصورة عامة.
الآن أصبح وضعنا وضعاً رهيباً جداً، ومؤسفاً جداً، الآن ليس هناك رؤية في الساحة، ليس هناك موقف في الساحة للعرب، هاهم مستسلمين الآن)).
ولأن الأمة الإسلامية كانت تعاني من معضلات كبيرة قيدت أبناء الإسلام نتيجة لتعدد قنوات التضليل وانتشار الأفكار المضللة والثقافات المغلوطة والمعتقدات الخاطئة فقد أستند الشهيد القائد في تحركه الثقافي إلى القرآن الكريم كمصدر ومرجع وهادي ومنهج، باعتبار كل المسلمين يؤمنون بالقرآن بمختلف طوائفهم ومذاهبهم.
ولذلك فقد تحرك الشهيد القائد وحرك الأمة بالقرآن، ساعيا لتحريرها من ثقافة التدجين والخضوع والذلة، تائقا لبناء جيل قرآني معتزاً بإسلامه، مخلصا لمبادئه، متجاوزاً لما هو سائد في واقع الأمة من مظاهر الضياع والضلال.. يقول (رضوان الله عليه): ((نحن إذا ما انطلقنا من الأساس عنوان ثقافتنا: أن نتثقف بالقرآن الكريم. سنجد أن القرآن الكريم هو هكذا، عندما نتعلمه ونتبعه يزكينا، يسمو بنا، يمنحنا الحكمة، يمنحنا القوة، يمنحنا كل القيم، كل القيم التي لما ضاعت ضاعت الأمة بضياعها، كما هو حاصل الآن في وضع المسلمين، وفي وضع العرب بالذات. وشرف عظيم جداً لنا، ونتمنى أن نكون بمستوى أن نثقف الآخرين بالقرآن الكريم، وأن نتثقف بثقافة القرآن الكريم {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} يؤتيه من يشاء، فنحن نحاول أن نكون ممن يشاء الله أن يُؤتَوا هذا الفضل العظيم. ))
وقال أيضاً: ((القرآن الكريم كله قوة، كله عزة، كله شرف، كله رؤى صحيحة وحلول صحيحة تعطي كل من يسيرون على نهجه أن يكونوا بمستوى أن يضربوا أعداء الله كيفما كانوا وكيفما كانت قوتهم)).
وكان كل همه هو أن يدرك الناس عظمة القرآن الكريم وقيمته العظيمة في صنع أمة إسلامية كما أرادها الله وكان يحث الجميع على التثقف بثقافة القرآن الكريم: ((يجب أن نرتبط بالقرآن الكريم من جديد، ونتعلمه ونعلم أبناءنا وبناتنا ونساءنا، ونكثر من تلاوته، ونهدي مصاحفه لبعضنا البعض وأشرطة تلاوته، نتحرك في إطار أن نشد أنفسنا إلى القرآن من جديد، وأن نرسخ قدسيته ومكانته وعظمته في نفوسنا من جديد؛ لأن القرآن, لأن القرآن هو من لو لم يكن من عظمته وفضله إلا أنه يكشف الحقائق أمامنا. لا يمكن لأي كتاب في هذه الدنيا أن يريك الحقائق ماثلة أمامك)).
لقد شخّص الشهيد القائد مشاكل الأمة وقدم لها الحلول روحيا ومن خلال القرآن الكريم سعى لسد الفجوة في المفاهيم والرؤى والاعتقادات التي ضرب المسلمين والتي جاءتهم من مصادر ملوثة من خارج المنهج الإسلامي الصحيح والتي سممت العقول، وضربت النفوس، وخلقت جيلاً يغلب عليه بلادة التفكير، وجفاء الطبع، منعدم الرؤية، محطم الإرادة، حتى بات يصدق أعداء دينه وأمته بأن الإسلام هو المشكلة وأن الحل هو ما يأتي به اليهود والنصراني..
ولذلك سعى الشهيد القائد بكل عزيمة وإصرار لمعالجة هذا الاعتلال الذي أصاب الأمة الإسلامية وكان سببا في تمكن أعدائها من الهيمنة عليها واستذلالها.. ولقد كانت محاولة الشهيد القائد محاولة ناجحة لإحياء فضائل الإسلام وأمجاده وقيمه ومبادئه ونشر ثقافة القرآن الكريم التي هي أسمى الثقافات.. وقد ألهمه الله الحكمة ومنحه البصيرة النافذة، والإحساس العالي بالمسؤولية فأنطلق صوته هادراً بمنطق فياض بالحكمة وتفكير قرآني خصب وبصوت جياش بالإخلاص والمحبة، ولكأن القرآن الكريم “ألقى حكمته في فمه، ونصب له منبره العالي فقال له (قم فتكلم)” روحٌ ملهمة، وفطرة سليمة، عقل ذكي، وقلب واثق الله مؤمن بتأييده ونصره ومن آيات الله وحقائق القرآن قدم للأمة أعظم مشروع، ولا غرابة أن نجد مشروعه العظيم وقد أصبح له أمة تلتف حوله وتنهل من ورده، وتجاهد به طواغيت العصر وكهان الضلال، نبذت البالي العتيق من بواعث التفرق، وأكداس الأضاليل.
مستويات الطرح والتثقيف
اتبع الشهيد القائد منهجية القرآن الكريم واساليبه في طرحه الثقافي في مجموع محاضراته ودروسه وقد طرح الباحث في القرآني للشهيد القائد الأستاذ فاضل الشرقي في كتابه (قراءة في المشروع القرآني للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي ـ القيادة والمنهج) المستويات التي تناولتها الدروس والمحاضرات التي القاها الشهيد القائد ننقلها كما هي لأهميتها:
(لم تكن انطلاقة المشروع القرآنيّ انطلاقة عشوائيّة، ولم تكن محاضرات ودروس السّيد مجرّد
كلام وتثقيف عام وانفعالي يمثّل ارتداداً طبيعيّاً تجاه الهجمة الشّرسة التي تقودها الإمبرياليّة
والصهيونية العالمية ممثلة بأمريكا وإسرائيل على الإسلام والمسلمين فحسب، بل كانت كلّ
سبيل الله، وغير ذلك من القضايا والمواضيع الشّاملة، وهي من أهمّ الدروس والمحاضرات،
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هنالك العدد الكبير من الدّروس والمحاضرات التي فُقدت ونُهبت
أثناء عدوان السّلطة وغزوها لمنطقة (مرّان) في العام ٢٠٠٤ م، ونهبها لكلّ مقتنيات السّيد
حسين، ونحن هنا في هذا الجدول التّوضيحي نستعرض التّسلسل الزّمنيّ لهذه الدّروس
والمحاضرات.__
وبالرغم من قصر الفترة التي تحرك فيها الشهيد القائد كرائد ومجدد للمنهجية القرآنية وبمنطق فريد وأسلوب قرآني متميز تجاوز كل الاطروحات والرؤى المتواجدة في الساحة ولامس النص القرآني إلا أنه ترك أثرا عظيما تمثل في بروز مشروعه القرآني على الساحة وبقدرة كبيرة من التماسك والتأثير صمد أمام كل محاولات اجتثاثه خلال 20 سنة وبرصيد أكثر 7 جولات من الحروب الدامية التي استهدفت المشروع ومناصريه من غير الحروب التي شنتها الجماعات التكفيرية في ودماج ووادي أبو جبارة وفي حجة وفي إب (الرضمة ) وفي مختلف المحافظات.. إلا أن المشروع القرآني استطاع مواجهة كل هذه الحروب وحقق انتصارات عظيمة ما كانت لتحقق لولاء أن هذا المشروع يحظى برعاية الله وتأييده ونصره ويحمل في مضامينه الحل والمخرج للأمة الإسلامية في ظل تعدد الآراء والأهواء وتكالب الأعداء ..
وهنا نخلص إلى أن الشهيد القائد كان فعلا منحة إلهية ربانية وكان لتحركه الثقافي والعملي أثرا بالغا في استنقاذ الأمة ولذلك نجد مشروعه اليوم بات في مقدمة الحركات المناهضة للوجود الأمريكي والصهيوني بل بات في قلب المعركة في مواجهة مباشرة مع قوى الاستكبار وفي المقدمة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني وهو المشروع الذي بادر رغم قلة الإمكانيات المادية إلى نصرة قضية الأمة الكبرى ومساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة الجرائم الصهيونية.. وبات هذا المشروع أمل أحرار الامة في استنقاذ الامة من حالة التيه والتبعية والارتهان لأعدائها..
رحم الله الشهيد القائد وأن يجزيه عن أمته خير الجزاء وأن يشركنا في أجره وجهاده وأن مكانه في المستقر الأعلى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً ..