أطفال اليمن.. قصّة قتْل مُعلَن
في تقارير حديثة أنه مقابل كل مُقاتل استهدفته الطائرات، قتلت أو أصابت ألف طفل وامرأة، ومقابل كل متراس أو موقع عسكري، دمّرت ألف منزل.
تُذكّرنا الجرائم اليومية المُروِّعة بحق أطفال اليمن بالتاريخ الأسود والمُشين لما ارتكبه عالم الحروب والإبادات على مدار العصور والأزمنة، من الرقّ الى الإقطاعية إلى الرأسمالية، وكان الأطفال في عِداد ضحاياه الذين ماتوا أو قُتلوا أو تمّ استرقاقهم أو سوقهم للخدمة العسكرية على غير وعيهم وإرادتهم.
فمن القتْل الجماعي، إلى تحويل الأطفال إلى رقيق وبيعهم في سوق النخاسة، إلى إجبارهم على أعمال السُخرة عند الغُزاة والنهّابين والإقطاعيين والرأسماليين، كما وثّقت ذلك مئات الأعمال الأدبية والفنية ووثائق حقوق الإنسان، وخاصة الأطفال الأفارقة في مزارع وشركات الكاكاو والتبغ والمطّاط وغيرها.
وكذلك تحويل ملايين الأطفال في بلدان العالم الثالث إلى مختبرات للأمصال والأدوية، كما في الروايات التي تحوّلت إلى أفلام سينمائية (جحر اللصوص، الفئران العارية، النمر الأبيض).
ومن المظاهر الأخرى الفظيعة: مُعاناة الأطفال اللاجئين ورحلات الموت والعذاب والرعب، تجارة الأعضاء بعد اختطاف الأطفال وقتلهم من قِبَل مافيات مُرتبطة بدوائر رأسمالية معروفة، آخرها ما شهدته مناطق ليبية تقع تحت سيطرة الجماعات التكفيرية في مصراتة وطرابلس، إذ كشفت التحقيقات أن قادة هذه الجماعات يُنسّقون مع تجّار لاجئي القوارب لاختطاف الأطفال وقتلهم وبيعهم بالقطعة حسب الطلب في مستشفيات أميركية وأوروبية.
ومن تاريخ الإمبرطورية العثمانية والأميركية ما تقشّعر له الأبدان، عندما نقرأ عن ضريبة الأطفال، ومذبحة الجدري، ورحلات صيد أطفال الهنود الحُمر، وحظائر اللحوم الأميركية.
فقد كانت الدولة العثمانية تفرض على الشعوب المغلوبة وخاصة المسيحية، تقديم طفل من كل عائلة للجيش الإنكشاري، وتكشف روايات: إيفو أندريتش (جسر على نهر درينا) وإسماعيل كاداره “الحصن” كيف كانت الأمّهات يُجبرن على إحضار أطفالهن إلى أسواق مُخصّصة كما أسواق الغنم قبل سوقهم إلى العاصمة اسطنبول وختنهم وإعادة تسميتهم.
كما نقرأ عن مذابح الأميركيين الأوائل للهنود الحُمر، ومنها التبرّع لهم ببطانيات ملوّثة بالجدري بعد تجميع أطفالهم في معسكرات (إغاثة) ، وكذلك تنظيم الشركات الأميركية لرحلات لصيد أطفال الهنود عبر نوافذ القطارات ومنح جوائز لمن يصيد أكبر عدد منهم.
وتخبرنا رواية “الغاب” لسنكلير عن الأطفال الأفارقة العاملين في مصانع اللحوم المُعلّبة في شيكاغو ، وكيف كانوا يسقطون من الإنهاك في العجّانات (الآلات الضخمة) ويُطحنون مع المرتديلا.
امتداداً لكل ما سبق وفي نسخة مزيدة وغير منقّحة فاقت كل ما سبقها من همجيات، وفي محرقة جماعية تذكّر بالمحرقة اليهودية ضد أهل الإخدود في نجران، يواصل طيران التحالف النفطي الإسرائيلي الأميركي قصف اليمن بأحدث ما توصّلت إليه الحضارة الليبرالية الرأسمالية، من حِمم وقذائف تطال البشر والشجر ولا تترك حجراً على حجر، لا مصنعاً بدائياً ولا مدرسة مُتهالِكة أصلاً ولا بئراً للعابرين.
القليل القليل من المُقاتلين الشهداء في الجبال، ومئات الآلاف من الأطفال والنساء والعُزَّل، يتساقطون تحت رُكام القصف صباح مساء، وقد أسمعوا (العالم الحر) إذ نادوا ولكن لا حياة لمن تنادي.
في تقارير حديثة، أنه مقابل كل مُقاتِل استهدفته الطائرات، قتلت أو أصابت ألف طفل وامرأة، ومقابل كل متراس أو موقع عسكري، دمّرت ألف منزل.
إنها جريمة قتْل مُعلَن بذريعة واهية، كما سانتياغو في قصة ماركيز، ولا أحد في المدينة، يوقف القاتل.