أطفال اليمن … عندما يرسمون مستقبل المنطقة
بوصفها واحدة من حروب الهيمنة التي باتت تعتمد على القصف الجوي بشكل أساسي، تسجل الحرب التي يشنها ما يسمى بـ “التحالف العربي” أرقاماً قياسية في العديد من مجالات الإجرام. ومن هذه المجالات، مجال البراعة الفائقة في تنفيذ المهام الإجرامية.
فطيارو التحالف العربي (سواء كانوا من العرب أو من المرتزقة) بارعون حقاً في الغارات التي ينفذونها على اليمن. حركات ومناورات مذهلة تقوم بها طائراتهم وهي تغير على كل شيء في صعدة وصنعاء وغيرهما من مدن اليمن وقراه. من الأكواخ إلى الأبنية الضخمة، ومن المدارس إلى المستشفيات، ومن أماكن العبادة إلى الأسواق المكتظة بالناس. مع أفضلية في اختيار الأهداف تعطى لكل عملية قصف توقع أكبر عدد ممكن من الضحايا. وهنا يأتي تسجيل الأرقام القياسية في مجال الحقد والوحشية. حقد من الواضح أنه سليل ذلك الحقد الذي كان يشعر به أثرياء مكة من المشركين تجاه فقراء مكة وضعفائها الذين حررهم الإسلام.
لماذا يريدون إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا في اليمن؟ هل هومجرد تعطش لإراقة الدماء؟ أم مجرد رغبة جامحة في شفاء الغليل من شعب يرفض الاستسلام؟ أم مجرد استيلاد لذلك الإحساس بالقوة والعظمة الذي لا نجده إلا عند الجبناء والمبتلين بعقد الدونية الذين يهربون من المواجهات ويستمرئون القتل من بعيد؟
هو ذلك كله، لكنه ليس كل ذلك: هنالك، فيما يبدو، قرار سعودي أو ما فوق – سعودي بإبادة الشعب اليمني كلّه، لأن بقاء يمني حقيقي واحد على قيد الحياة كفيل بأن يقض مضاجعهم.
والأكيد أن هذا القرار هو من النوع الاستراتيجي. تاريخياً، لأن أعداداً من اليهود (من أقارب آل سعود) تواجدوا، لأسباب أو أخرى، في اليمن خلال بعض فترات تاريخه، ما يضع هذا البلد في دائرة المطامع التوسعية الإسرائيلية. وجغرافياً، لموقع اليمن على مدخل البحر الاستراتيجي الأحمر. وسياسياً، لأن اليمن عنصر شديد الفاعلية في صنع الماضي والمستقبل العربي بوجههما المشرق …
إبادة الشعب اليمني يبدو أن الصهيو- سعودي المدعوم أميركياً مستعد للاستمرار في تنفيذها حتى لو لم يبق في اليمن قادر على حمل السلاح. أو قادر على النظر في وجوه السعوديين وأشقائهم في التحالف العربي بعين فيها سحابة من غضب.
قرار اتخذوه على الأرجح بالسهولة التي يتخذون بها قراراتهم بإعدام غير المرضي عنهم من مواطنيهم وغير مواطنيهم شنقاً أو إلقاءً من شاهق أو نحراً أو ذبحاً بأيدي زبانية سجونهم، أو بأيدي مرتزقتهم من تكفيريي القاعدة وداعش وغيرهما من التنظيمات الإجرامية.
أو بأيدي محترفين في الإجرام كالطيارين “الأكفاء” الذين يستجلبونهم لقيادة أحدث الطائرات الأميركية من كل مكان، مع أفضلية خاصة للطيارين الإسرائيليين الذي يأتون مصطحبين معهم أقوى وأفضل ما يمتلكه جيش الكيان الصهيوني من قنابل ومقذوفات فتاكة ومحرمة دولياً لتجريبها على أطفال اليمن ونسائه وشيوخه.
أطفال ونساء وشيوخ يعانون، إضافة إلى أهوال حرب الإبادة الصهيو- سعودية المدعومة أميركياً، من المرض وخصوصاً من البرد والجوع. فالطائرات المغيرة أحرقت الحقول والغلال ودمرت أرصفة الموانئ ومدارج المطارات والطرقات في مسعى لمنع الأغذية والأدوية من الوصول إلى الشعب اليمني. كل يمني لم تقتله القنابل، أو لم يتحول إلى أشلاء تحت أنقاض المباني، يسعى آل سعود إلى قتله جوعاً.
لكنه مسعى لن يتكلل بالنجاح بالشكل الذي تتكلل فيه بالنجاح مساعي السعوديين ونظرائهم من متخمي الخليج ومرتشي العرب عندما يشترون، بقوة المال النفطي، كل ما يشتهون شراءه من أسهم وعقارات ويخوت وجوار ومأكولات وأسلحة وأدوات ومعدات من كل صنف ولون.
مسعى خائب بالتأكيد. لأن اليمن يمتاز على غيره من الأقاليم والبلدان باستعصاء تاريخي على الغزاة. لم يقصده أحد بأذى إلا وارتّد كيده إلى نحره وكان خده الأسفل.
وها هو اليمن، رغم السماء المكتظة بطائرات العدوان، يرسل أبناءه الجائعين الحفاة إلى جبهات القتال، حيث يتوغلون في نجران وجيزان وعسير ويلحقون الخسائر البشرية والمادية بمرتزقة آل سعود الذين يفرون أمامهم وهم يولولون كما كان الجنود الصهاينة يولولون تحت ضربات حزب الله في لبنان.
وحيث يطلقون صواريخهم المصنوعة يدوياً على البوارج الصهيو- سعودية في البحر الأحمر وبحر العرب، وحيث يصلون بضرباتهم إلى الرياض وما بعد الرياض.
سبعة ملايين طفل في اليمن تقول جهات إنسانية إنهم يحتاجون إلى المساعدة. هذا يعني أن غير الأطفال يعيشون أوضاعاً كأوضاع الأطفال. قتل ومات منهم الكثيرون، وكثير منهم سيقتلون ويموتون من الآن وحتى خلاص هذه الأمة بالانهيار القريب لهذا الكيان السعودي وغيره من الكيانات الإجرامية في المنطقة. هذا الانهيار يعود أكبر الفضل فيه لليمن. وبذلك فإن المنطقة وشعوبها المقهورة، لا أطفال اليمن، هي من يحتاج اليوم إلى الأطفال الذين سيكونون غداً رجال اليمن، ورجال العرب. لأطفال اليمن إسهام أساسي في رسم خارطة المنطقة.
المصدر العهد