أسرار وخفايا أطماع الكيان الصهيوني في اليمن
مقدمة
لم تتوقف مساعي الكيان الصهيوني المحتل منذ نشأ عن إيجاد موطئ قدم له داخل الأراضي اليمنية، فالكيان يطمح إلى ما هو أوسع من السيطرة على اليمن فقد تغلغل في كل مفاصل المنطقة العربية ويحاول جاهدا الهيمنة المطلقة عليها والاستحواذ على مقدراتها فقد رفع ثيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية شعار ” أرضك يا اسرائيل من النيل الى الفرات ” ، وفي شهادته أمام الأمم المتحدة عام 1947 ، قال الحاخام فيشمان ان أرض إسرائيل تمتد من نهر مصر إلى الفرات وهي تشمل أجزاء من شمال لبنان.. وهو ما أشار إليه الشهيد القائد في محاضرة [يوم القدس العالمي] مؤكداً أن إسرائيل: ((دولة يهودية طامعة، ليس فقط في فلسطين, وليس فقط في أن تهيمن على رقعةٍ معينةٍ تتمركز فيها، بل إنها تطمح إلى الهيمنة الكاملة على البلاد الإسلامية في مختلف المجالات، وتطمح إلى أن تقيم لها دولة حقيقية من النيل إلى الفرات، من النيل في مصر إلى الفرات في العراق؛ لأن هذه الرقعة هي التي يعتقد اليهود أنها الأرض التي كتبها الله لهم، وهي أرض الميعاد التي لا بد أن تكون تحت سيطرتهم وبحوزتهم، وأن يقيموا عليها دولتهم. )) وجاء احتلال الكيان للأراضي العربية عام 1967م وسيطرته على سيناء والجولان وجنوب لبنان وكامل الأراضي الفلسطينية ليعزز الأطماع الصهيونية ليس في تحقيق حلم هرتزل بل في الهيمنة على المنطقة باعتبارها بوابة الهيمنة على العالم برمته ومواجهة القوى العالمية الناشئة كالصين واليابان ودول آسيا وغيرها من الدول الكبرى وهذا الاستنتاج أصبح ماثلاً أمامنا فالهيمنة الصهيونية عن طريق الوجود الأمريكي في المنطقة جعل قرارات الصين وروسيا الاقتصادية وحتى السياسية مرهونة بالمزاج الصهيوني ولم تستطيع هذه الدولة رغم إمكانياتها وقوتها الاقتصادية والعسكرية من اتخاذ قرارات دولية بعيداً عن الرغبة الصهيوأمريكية.
ولكن لماذا بالذات اليمن؟
في هذا التقرير سنحاول الإجابة عن هذا السؤال ولماذا يشكل اليمن قلقاً متواصلاً للكيان الصهيوني..
الموقع الاستراتيجي لليمن والأطماع الصهيونية
في عام1949م قال ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، وأبرز قادته: «إنني أحلم بأساطيل داوود تمخر عباب البحر الأحمر». وهذه المقولة تختصر الأطماع الصهيونية في السواحل والجزر اليمنية فاليمن يتربع على بوابة الشرق الأوسط ويحتل موقع استراتيجي عالمي هام بإطلاله على البحر الأحمر غربا والبحر العربي وبامتلاكه مئات الجزر ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة ويسيطر على مضيق باب المندق من أهم الممرات المائية في العالم لكونه يربط بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر البحر الاحمر وقناة السويس.
كما تتميز جزيرة سقطرى بموقع استراتيجي متميز إذ أنها تطل على الخطوط البحرية الدولية التي تتدفع منها خطوط امداد النفط إلى مختلف دول العالم كما أن الموقع الاستراتيجي للجزيرة يُمكِّن السفن من الرسو فيها، مع ما توفره طبيعة سواحلها المتعرجة من حماية للسفن من الرياح العاتية”.
أما من الناحية العسكرية فيمكن إنشاء قاعدة عسكرية متقدمة على الجزيرة قادرة على حماية الجزيرة العربية بكلها بل والوطن العربي أيضاً إضافة الطبيعة الساحرة للجزيرة وإشجارها النادرة التي تشكل كنزاً طبيعياً
كما ان الموقع الجغرافي المتميز للموانئ اليمنية أبرزها ميناء عدن الذي يبعد 3 أميال بحرية فقط عن الخط الدولي والموانئ الاخرى الممتد على الساحل الجنوبي الذي يبلغ طوله 1906كم.
كل هذا جعل العين الإسرائيل لا تغمض عن اليمن وتحاول بكل السبل من التحكم والسيطرة على هذا الموقع الاستراتيجي الهام عن طرق ووسائل عدة منها إضعاف اليمن عن طريق أذرعها في المنطقة وفي المقدمة النظام السعودي وكذلك شراء الشخصيات اليمنية المهيمنة على القرار السياسي ونشر الجواسيس وغير ذلك.
الكيان الصهيوني والتواجد في القرن الأفريقي
لقد أدرك الكيان الصهيوني مبكراً أهمية الموقع الجغرافي اليمني وما يمكن أن يشكله من تهديد على وجوده في حال تطور الصراع العربي الصهيوني أو تمكن اليمن من بناء قوة عسكرية واقتصادية كبيرة لذلك فقد سعى بكل إمكانياته لتشكيل حلقة دائرية حول باب المندب بداية من إقامة علاقات سياسية وعسكرية مع اثيوبيا ثم دعمه لحركة انفصال إرتيريا وكان داعماً قوياً لأسياس أفورقي رئيس ارتيريا الذي كافئ الكيان بالسماح له بإقامة قاعدة عسكرية صهيونية كانت وراء المساعي الارتيرية لاحتلال جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى..
كما أقام الكيان قاعدة عسكرية صهيونية أخرى في جيبوتي إضافة إلى الدور البارز للكيان في انفصال جنوب السودان الذي بمجرد إعلان انفصاله سرعان ما تطورت علاقاته بالكيان الصهيوني لدرجة السماح لهم بإنشاء قاعدة جوية إضافة إلى مركز متقدم للموساد..
ومن جنوب السودان إلى الصومال فقد سعى الكيان للاعتراف بالقوى الانفصالية في الصومال (صومال لاند) ووعدهم بالاعتراف بهم كدولة مستقلة وبهذا يكون الكيان الصهيوني قد لف ذراعيه حول اليمن وجزره..
النشاط الاستخباراتي الصهيوني في اليمن
النشاط الاستخباراتي الصهيوني في اليمن قديم ويعود إلى بداية الصراع العربي الصهيوني في بداية القرن الماضي حيث تشير التقارير أن الحضور الصهيوني في اليمن كان موجوداً حيث تعاظم خلال الحرب بين الجمهورية والملكية وتنامى في ظل النظام السابق وصولاً لتبادل الزيارات السرية فيما بينهما وهو ما سنشير إليه لاحقاً وعن الدور المخابراتي الصهيوني في اليمن فقد ألقت السلطات السابقة في أوقات متفرقة خلال الفترات الماضية القبض على جواسيس يتبعون للموساد أشهرهم الجاسوس الصهيوني [إبراهام درعي] الذي ألقي القبض عليه في سبتمبر 2012م بعد عملية مراقبة ورصد ألقي في منطقة باب موسى بمدينة تعز، من قبل أفراد البحث الجنائي, توصلت التحقيقات مع هذا الجاسوس الإسرائيلي إلى اعترافه بأن كثيراً من الأطفال اليمنيين الذين فقدوا قبل أعوام، تم تهريبهم إلى دول الجوار عبر منظمات صهيونية، ومنها إلى إسرائيل، ومن ثم يقوم جهاز الموساد بتعليمهم وتدريبهم كعملاء له، ومن ثم إرسالهم إلى اليمن أو إلى أية دولة عربية أو إسلامية، بأسماء وجنسيات مختلفة أحياناً للعمل لصالح الموساد واختراق المنظمات الإسلامية.
ولد إبراهام درعي عام 1982 في مديرية ريدة محافظة عمران، لطائفة يهودية ولأب مجهول, وتربى وهو طفل لدى أسرة من آل السياغي في الحيمة، وهي التي تبنته، ثم حمل اسمها, غير أنه اضطر إلى تغيير اسمه إلى إبراهام في وقت لاحق، بعد أن أخبره بعض اليمنيين أن التبني لا يجوز.
هاجر درعي من اليمن وعمره 17 عاماً، عن طريق التهريب إلى دولة خليجية، ومنها تواصل مع القنصلية الأمريكية التي استضافته، وأخذت منه الحمض النووي، ومنحته رخصة مرور إلى إسرائيل عبر الأراضي السعودية مروراً بالأردن، حتى وصل إلى تل أبيب.
.
ومن جملة الاعترافات التي أدلى بها درعي في التحقيقات التي أجريت معه, أن جهاز الموساد جنده قبل سنوات لتقديم معلومات لإسرائيل عن القوى التابعة لإيران في صنعاء وتعز وعدن ومدن أخرى.
في الربع الأخير من العام 2011 قام درعي بإرسال معلومات مهمة عبر بريده الإلكتروني، تضم قوائم بشخصيات سياسية يمنية، بينها أعضاء في مجلس النواب وإعلاميون وناشطون في منظمات المجتمع المدني وشخصيات مرتبطة بفصائل في الحراك الجنوبي والحوثيين, إلى جانب تقديمه للموساد معلومات مرتبطة بالتراث اليهودي في اليمن، وخرائط لمواقع أثرية كان يسكنها اليهود اليمنيون قبل مغادرتهم اليمن في عملية (بساط الريح)، أواخر خمسينيات القرن الماضي.
لكن..
النظام السابق وعلاقته باليهود
يبدو أن محاولات الكيان الصهيوني المستمرة في إيجاد موطئ قدم له في اليمن لم يفشل في استمالة النظام السابق بقيادة عفاش حيث شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الفرصة للكيان الصهيوني لجرجرة الأنظمة العربية نحو تل أبيب من خلال الضغوط الأمريكية وهو ما جعل صالح يحني رأسه ويبدأ أول أنشطة الانبطاح للكيان الصهيوني بالتقاءه بالجالية اليهودية المهيمنة على القرار السياسي في أمريكا وعلى الرغم من أن هناك من يقول أن صالح بدأت علاقته بالكيان الصهيوني منذ السبعينيات والتقاءه للموساد الصهيوني في جيبوتي..
إلا أن وثيقة سرية عبارة عن محضر بين صالح والجالية اليهودية كشفت أن نظام صالح لا يمانع في التطبيع مع الكيان الصهيوني واقامة علاقات تجارية وسياسية مختلفة وقد نشر الكاتب إبراهيم السراجي تقريراً حول الوثائق التي عثر عليها في منزل صالح والذي تتضمن محضر لقاءه بالجالية اليهودية الذي جمع بين صالح الإرياني ورؤساء الجاليات اليهودي التي عُثر عليها في منزل صالح، يؤكّد رؤساء الجاليات بشكل مباشر أنهم ممتنون لقبول صالح اللقاء بهم وأنهم يسعَون لتأسيس علاقات بين اليمن وإسرائيل؛ ولأن اليهود كان يعلمون بطموح صالح في إقامة علاقات مباشرة مع أمريكا بمعزلٍ عن السعودية التي كانت تتولى ملف علاقة اليمن بأمريكا، فقد أكّدوا له خلال اللقاء أنهم من يتحكّمون بقرار الكونجرس الأمريكي.
ويجيب صالح على مقدمة رؤساء الجاليات اليهودية بالتأكيد بأنه يرحّب بلقائهم وأنه لا يوجد أيُّ تعصُّب ضد اليهود ويمكن التعايش معهم. مؤكداً لرؤساءَ الجاليات اليهودية “نحن نتطلع لسلام شامل وعادل وليس هناك صعوبات أن يكون بيننا وبينكم منافع سواء معكم كجاليات أَوْ يمكن أن تتطور مع الحكومة الإسرائيلية”. هنا كان صالح قد قضى على موقف اليمن وأعلنها صراحةً بإمْكَانية الاعتراف مع إسرائيل والتطبيع معها.
التطبيعُ مع إسرائيل بثمنه!
في ذلك اللقاء -وفقاً لما ورد في المحضر- طرح رؤساء الجاليات سؤالاً على صالح حول إمْكَانية أن يقيمَ علاقةً مع إسرائيل، خصوصاً أن الدولَ العربيةَ المجاورة للكيان الصهيوني فعلت ذلك، وهنا يحرك صالح غريزتَه للحصول على المنافع المالية مقابل الموقف، فرد قائلاً “نحن لسنا من الدول المجاورة لإسرائيل ولكن لنا علاقاتٌ مع سوريا ومصر والأردن ونحن نشجّع إقامة مثل هذه العلاقات والتعايش في المنطقة”. ثم يتضح أن القضية ليست في مجاورة إسرائيل من عدمها بالنسبة لصالح الذي قال “مصر استطاعت أن تحصُلَ على فوائد من أمريكا بعد اتّفاقية كامب ديفيد (اتّفاقية سلام بين مصر وإسرائيل) والأردن دعمتموها، اليمن حتى الآن لم تحصل على دعم للديمقراطية أَوْ حتى التحَـرّك باتجاه الحكومة الإسرائيلية فكل شيء بثمنه”.”.
المصافحة لها ثمن أيضاً
في هذا السياق، عرض رؤساء الجاليات اليهودية على صالح مسألة مصافحة السفير الإسرائيلي، فالكيانُ الصهيوني في ذلك الوقت كان يعتبر أن نجاحَه بمصافحة رئيس عربي يمثّلُ خطوةً كبيرةً لتعزيز وجود إسرائيل.
كعادته أجاب صالح قائلاً “نحن نعمل بالمكشوف، المطلوبُ منكم مساعدتنا لدى الإدارَة الأمريكية لنحصل على الدعم؛ لأنّنا مجرد أن نصافح أي يهودي يقوم علينا الإسْلَاميون”، ويضيف صالح “أنا التقيت الرئيسَ الأمريكي كلينتون في المغرب وكان جواره مستشار الأمن القومي الإسرائيلي وطلب مني مصافحتَه، فقلت له ليس لديّ مشكلة في ذلك بمجرد تحقيق السلام.. خلّونا نبدأ علاقات جيدة معكم وهذه الخطوة تليها خطوات”. كما جدّد صالح طلبَه للدعم قائلاً “أنتم ساعدونا لدى الإدارَة الأمريكية ويمكن أن نصل لنتائج إيجابية”.
كان صالح يحاوِلُ الخروجَ مما وصفها “العباءة السعودية” ويريد إقامة علاقات مع واشنطن بشكل مباشر، فشكا لرؤساء الجاليات اليهودية أن السعوديةَ تعمَلُ ضده إذَا حاول التقارب مع إسرائيل وتدفع الأموال للإدارَة الأمريكي لمنعها من تقديم دعم سخي لليمن؛ حفاظاً على رغبة السعوديين.
إسرائيليون في اليمن بجواز أمريكي
بعد ذلك وجّه صالح دعوةً لرؤساء الجاليات اليهودية في أمريكا لزيارة اليمن، وأن يكون دخولهم كسيّاح ورجال أعمال، لكنه -وفقاً لحديثه- يرى أنه لن يكونَ قادراً على مواجهة رد الفعل الداخلي إذَا استقبل رؤساء الجاليات على أنهم إسرائيليون ما لم يكن قد نجح في الحصول على الدعم الأمريكي؛ ولذلك قال لرؤساء الجاليات “نتطلع أن تلعبوا دوراً مع الإدارَة الأمريكية لتشجيع اليمن ومساندته وبعدها سنأتي لكم بشكل أفضل”. ثم يحدّد صالح المعادَلةَ التي يريدُها بالقول “أولاً نحن وأنتم كأمريكيين وبعد ذلك نأتي إليكم كإسرائيليين، أنتم حجر الأساس نتفاهم معكم وبعد ذلكم نتواصل مع الآخرين، أنتم أولاد العم”.
استثمارات إسرائيلية في اليمن
المحضرُ الآخرُ يضُـمُّ ما دار خلال لقاء بين صالح مع رولاند لاود رئيس مجلس رؤساء الجاليات اليهودية في أمريكا الذي قال في بداية اللقاء بأنه يعمل على إقناع الجالية اليهودية للاستثمار في اليمن، ويضيف موضحاً الهدف قائلاً “طالما وجد المزيد من المستثمرين اليهود كلما تعززت العلاقات”.
هنا يجيب صالح قائلاً “نحن نرحّب باستثمارات اليهود”، مستثنياً اليهودَ المتواجدين في إسرائيل حتى يتم ما وصفه “إحلال السلام” وهذا ليس بسبب موقف صالح من إسرائيل بل بسبب مخاوفه وليس رفضاً قاطعاً، بل يشترط أن تأتيَ الشركاتُ الإسرائيلية ولكن يتم تسجيلها على أنها شركات أمريكية فهو يؤكد “ليس لدينا أي تحفظ على أي استثمارات يهودية لكن لمصلحتي ومصلحتك حتى يطبع العلاقات تأتي الشركات وتقول إنها شركات أمريكية وهذا لأسباب أمنية”. ويجيب رئيسُ مجلس الجاليات متفهماً مخاوفَ صالح قائلاً إن ذلك مفهومٌ حتى بالتعامل مع يهود إسرائيل ذوي الأصول اليمنية.
الكيان الصهيوني ..دور أساسي في العدوان على اليمن