لا يبدو أن السعودية في وارد التهدئة الحقيقية مع اليمن، ونزع فتيل الأزمة الناجمة عن الضغوط الاقتصادية المتمثلة بخطوة نقل البنوك التجارية إلى عدن وعرقلة سير الرحلات المحدودة من مطار صنعاء الدولي والتلويح بإغلاق ميناء الحديدة، والتي تأتي في سياق ابتزاز اليمن ومحاولة الضغط عليه وإجباره على وقف عملياته المساندة لغزّة، بعد أن عجزت أميركا والغرب عن تحقيق ذلك عسكريًا.
التصعيد في المجال الاقتصادي غير مسبوق وفقًا لتوصيف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأسبوعي بشأن غزّة والتحذير للسعودية من مغبة التمادي في الانبطاح للأميركي وخطورة التماهي مع مخطّطاته التآمرية، وهو تصعيد جاد وليس للاستهلاك الإعلامي. وقبل أن تتدحرج الكرة؛ ثمة تأكيد بأن موقف اليمن الداعم لغزّة ثابت ولن يتزعزع قيد أنملة مهما بلغت التحديات، ومهما نتج عن ذلك من تداعيات على كلّ الصعد، وهي رسالة طمأنة للفصائل الفلسطينية وكلّ أحرار الأمة باستمرارية العمليات البحرية في نطاقها المعلن لفرض الحصار على موانىء فلسطين المحتلة، ورسالة للسعودية بألا تختبر صبر الشعب اليمني وأن تحسب حساب ردهم وأثره على منشآتها الحيوية والسيادية.
إنّ أي خطوات سعودية عدائية، في هذه المرحلة، لن تكون منفصلة عن معركة الأميركي والبريطاني، وتصدي اليمن سيكون تحت هذا العنوان. وذلك؛ لأن الذي يريده الغرب الكافر هو ترك المجال للسفن “الإسرائيلية” لتعبر من خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر والتوقف عن نصرة فلسطين، وهذا هو المستحيل بذاته، حسبما يؤكد السيد عبد الملك الحوثي.
السعودي، على المدى العاجل، مطالب؛ بل وملزم بلا مماطلة أو مواربة بوقف مساره الخاطئ الذي لا مسوّغ له ضدّ اقتصاد اليمن وتصريحات مسؤوليه التحريضية على جبهات الإستاد لغزّة، فلا مسوّغ ولا معنى لذلك. وإذا لم يكن احترامًا لمبادئ الدين وقيمه وتعاطفًا مع الدماء التي تسفك بلا هوادة في غزّة، فليكن فمن أجل مصالحه وأمنه ومكانته المتأرجحة في الأوساط الإسلامية.
بالمقارنة مع أميركا، السعودية لا تملك ما يوازي ربع قوة حاملة واحدة من حاملات الطائرات في البحر التي فرت وتخفت وتأثرت إثر وقع الضربات اليمنية في البحر الأحمر، طوال الأشهر السبعة الماضية، وبنك أهدافها الحيوي دسم ومتنوع وقريب لصواريخ اليمن وقدراته بحكم الجوار، وأي استهداف مستقبلي سيكون بالغ الأثر والتكلفة.
استنادًا إلى ذلك، على السعودية أن تقلق وتتعلم من تجربة حرب السنوات التسع الماضية؛ فاليمن، شعبًا وقيادة، لا تخيفه التهديدات، ولم تكسره العواصف والتحالفات، لأنه يعيش واقع الحرب والمعاناة نتيحة استمرار العدوان والحصار عليه.. والرقص، في هذه الحال وترك الأميركي يخوض حرب الدفاع عن الملاحة الصهيونية بنفسه أسلم من استفزاز اليمنيين.
ما يمكن التغاضي عنه من أفعال مخزية للنظام السعودي هو وقوفه مع الأميركي إعلاميًا، في خذل الشعوب عن نصرة قضية الأمة المركزية، وتزخيم مسابقات الكلاب والهجن وفتح المزيد من الملاهي والبارات، لكن مضايقة البنوك اليمنية وحصار المطار والميناء سيؤدي إلى انفجار كبير لتجاوزه الخطوط الحمر، ولأن الوضع الإنساني لا يعد يُحتمل.
وكالعادة؛ وبعد أن وضع معادلة المطار بالمطار والميناء بالميناء والبنوك بالبنوك؛ حرص السيد عبد الملك بدر الدين على تبيين موقف اليمن وأولوية المرحلة وما تقتضيه مبادىء وقيم الدين والأخلاق لدعم الشعب الفلسطيني، في مواجهة حرب الإبادة الجماعية والتجويع، وتمهيدًا للرد على الخطوات السعودية العدائية وتأكيد اقتراب موعدها ما لم يتراجع السعودي في اللحظات الأخيرة، وهي الدعوة لعامة الشعب اليمني لخروج مليوني مختلف عن الأسابيع الماضية كلها، ليفوّض قيادته في اتّخاذ الخطوات اللازمة لذلك. وليسمع العالم أجمع أن اليمن حاضر لتوسيع مهامه العسكرية ومنازلة أميركا وبريطانيا وعملائهم في المنطقة، وما بعد التفويض والتأييد الشعبي للقيادة في جمعة “ثابتون مع غزّة.. وسنتصدّى لأميركا ومن تورط معها” لن يكون كما قبله، وسيعلم السعودي حقًّا أن قائد الثورة في اليمن إذا هدّد فهو يهدّد بلسان شعبه الصامد، وينطق بصوتهم، ويوجه بتوجههم لمواصلة إطلاق الصواريخ البَالِسْتِيَّة والمجنَّحة والطائرات المسيَّرة والزوارق البحرية؛ طالما استمر العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزّة.. وما بين جمعة التفويض والرد العملي على السعودية؛ قد يكون أسبوعًا أو يزيد قليلًا، وما يرجو ويأمله أحرار العالم كلهم أن يتراجع النظام السعودي خطوات إلى الخلف، ويتحرر من الضغوط الأميركية، لأن في ذلك مصلحة للجميع، ويترك اليمن وشأنه في مهمّة رد كرامة الأمة المقدسة والاقتصاص من القتلة والمحتلين، إلى جانب الفصائل الفلسطينية ومحور الجهاد والمقاومة.