أسباب تطوّر الصراع السعودي الإماراتي في اليمن وعلاقة واشنطن به!
عين الحقيقة/المراسل نت/ إبراهيم السراجي
مع تطور الصراع السعودي الإماراتي وتمدده إلى عدة مناطق في اليمن ووصوله لمستوى التراشق الإعلامي الصريح، يخطئ البعض في تفسير أسباب الخلاف عندما يعتقدون أنه نتيجة تصادم المصالح بين الدولتين في اليمن، والحقيقة أنه صراع على الوكالة الأمريكية التي تبدو أنها تميل لصالح الإمارات.
وقبل توضيح طبيعة وشكل الصراع على الوكالة الأمريكية، يجب التطرق للمواجهة الإعلامية التي نشهدها بين السعودية والإمارات.
في البداية يعرف أقل الناس خوضاً في السياسة أن الإعلام في السعودية لا مساحة فيه لأي نوع من الحريات، وعنما يشن كاتب سعودي هجوما كبيراً على الإمارات ويقول إنها مع من وصفهم بالانفصاليين (الحراك الجنوبي) يشكلون خطراً على اليمن والسعودية ويدعو لعدم التهاون مع ذلك التهديد ويتم نشر المقال في جريدة “الرياض” الرسمية، فإننا هنا أمام هجوم رسمي سعودي على الإمارات.
أقول ذلك لأن في السعودية يمنع أي كاتب أن يشن هجوماً على دولة أو يمتدح أخرى دون ضوء أخضر من النظام السعودي، حتى أن الكاتب “جمال خاشقجي” الذي كان مقرباً من النظام، عندما ظن أنه يدافع عن النظام السعودي بإطلاق تصريحات ضد الولايات المتحدة، وجد نفسه ممنوعاً من الكتابة والظهور في الوسائل الإعلامية المرئية، ومن يومها اختفى عموده من جريدة “الحياة” واختفى عن الظهور في الشاشات وحتى عن صفحته في تويتر.
الإعلام الإماراتي أيضاً هاجم السعودية عبر هجومه على أتباعها في اليمن وجرى اتهام الإصلاح مجددا بدعم القاعدة وداعش.
هل هناك خلاف إماراتي سعودي؟ الإجابة نعم لكنه ليس خلافاً على المصالح، فالجميع بات يعرف أنه جرى توريط الدولتين في الحرب على اليمن وليس لدى أحدهما مشاريع خاصة ومستقلة في اليمن، وإن حصل فإن تلك المصالح لا يمكن لأي من الدولتين ضمانها دون وجود ضمان أمريكي لتلك المصالح.
إذن، فحقيقة وطبيعة الخلاف أو الصراع السعودي الإماراتي هو على من يكون الوكيل الحصري للولايات المتحدة أو على الأقل من يكون صاحب المركز الأول في الوكالة الأمريكية.
الوقائع والأحداث التي شهدتها المنطقة واليمن خلال الأسابيع الماضية عقب تسلم الرئيس الأمريكي للسلطة في 20 يناير الماضي، تؤكد أن الولايات المتحدة حسمت أمرها وقررت نقل الامتياز الأول للوكالة الأمريكية إلى الإمارات.
ومن تلك الوقائع المعارك التي شهدتها عدن وحسمت لصالح الإمارات التي لم تكن لتقدم على قصف مواقع عسكرية موالية للسعودية هناك دون ضوء أخضر أمريكي، وهي رسالة تفهما السعودية. الكشف عن التحركات الإماراتية لبناء قواعد عسكرية في جيبوتي ومؤخراً في ميناء يقع في “أرض الصومال” الدولة المنشقة عن الصومال وغير المعترف بها دولياً، وهي تحركات ضمن سلسلة بحرية ذات طابع عسكري في البحر الأحمر تمر عبر سلسلة مماثلة تابعة لإسرائيل، وهذا يعزز صحة فرضية التفضيل الأمريكي للإمارات، بالإضافة إلى تخصيص أول زيارة لوزير دفاع ترامب إلى المنطقة للإمارات وليس السعودية.
قد يتساءل البعض عن سبب التفضيل الأمريكي للإمارات على حساب السعودية؟ هناك الكثير من الأسباب بينها أن المؤسسة الأمريكية الحاكمة والثابتة في الولايات المتحدة، عملت خلال السنوات القليلة الماضية على ربط السعودية بالتنظيمات الإرهابية على رأسها داعش والقاعدة، وخلال الفترة الأخيرة من ولاية أوباما دأب الإعلام الأمريكي على وصف استمرار التحالف الأمريكي مع السعودية بأنه “عار” يلحق ببلاد “العم سام”، وتنامى هذا الوصف ما تصاعد الهجمات الإرهابية التي ضربت أوروبا وأمريكا.
هذه الصورة التي وضعت مؤخراً للسعودية في الولايات المتحدة، لم يكن لدى ترامب الاستطاعة على تجاوزها ولذلك كان الخيار هو ربط صورة الولايات المتحدة في المنطقة بصورة الإمارات باعتبارها ذات نظام يكن عداءً للتنظيمات الإرهابية بما فيها جماعة الاخوان المصنفة بقائمة الإرهاب إماراتياً.
لكن هذا كله لا يعني أن واشنطن تخلت عن السعودية، ولكن تفضيلها للإمارات جاء في وقت أصبحت الولايات المتحدة قادرة على تنفيذها دون إعطاء أي “خاطر” للنظام السعودي لعدة الأسباب.
من تلك الأسباب أن السعودية لم تكن تفكر أن إسهامها في إشعال الحروب في العراق وسوريا وشن الحرب على اليمن، كانت كمن يشعل النيران في أطراف ثيابه كما يقال، وهي بذلك وجدت نفسها في محيط يكن لها العداء أولاً، كما ان تلك الحروب أضعفت المنطقة وهو ما جعل السعودية في موقف ضعيف كجزء من الخارطة الحربية المليئة بالدمار، فبقاء سوريا والعراق واليمن دولاً قوية كان سيساعد السعودية في مثل هذا الموقف ولكنها لم تدرك ذلك.
اليوم ومهما كانت الاهانات الأمريكية للسعودية فلم يعد باستطاعة النظام السعودي الاعتراض على ذلك، وهناك مثال حي على ذلك، في آخر شهور أوباما في البيت الأبيض قام بزيارة للرياض ولم يقم باستقباله الملك السعودي احتجاجاً على الاتفاق النووي مع إيران كما تم تفسيره في ذلك الوقت، لكن في عهد ترامب نجد السعودية تكثر من التصريحات المؤيدة لترامب، في مقابل إهانات متكررة تصدر من ترامب للسعودية، وكان آخرها قوله أن السعودية ستدفع مع دول الخليج تكاليف المنطقة الآمنة في سوريا وقال أنها ستفعل ذلك رغماً عنها وأن دول الخليج لا تملك سوى المال ودون أمريكا لن يكون لها بقاء، فكان الرد السعودي بتكرار تأييد المنطقة الآمنة في سوريا. وهنا المتغير الذي يعكس ضعف السعودية وينعكس من رفض استقبال أوباما إلى تأييد إهانات ترامب وعدم الاعتراض عليها.
اليوم تتحول الولايات المتحدة باتجاه الإمارات وهي تعرف أن السعودية لن تكون قادرة بعد اليوم على مجرد الاعتراض على أي قرار أو توجيه أمريكي، وهي لن تكسب أي صراع مع الإمارات لأنه في حقيقة الأمر سيكون صراعاً مع الولايات المتحدة وهذا ما يستحيل على السعودية أن تخوضه.
أخيراً قد يتطور شكل الصراع السعودي الإماراتي في اليمن ودول أخرى لكن الحسم في نهاية المطاف سيكون لصالح الدولة التي تريدها واشنطن وهي كما سبق الإمارات. أما نغمة “الشرعية” بالتزامن مع هذه المتغيرات فقد أصبحت من الخرافات.