أحلام الفولاذ الساخر .. أسطول أمريكا وأوهامه التي تحطمت على صخور اليمن
في أعماق البحر، حيث تنسج الأساطير حكاياتها بخيوط الزبد والملح، كانت تسبح الوحوش الفولاذية العملاقة كآلهة لا تُمس، حاملات الطائرات، تلك تزأر محركاتها أناشيدَ القوة، بينما المدمرات تُطلِق صفاراتها كصرخات تنينٍ يحرس كنوز العالم، لكن البحر، ذلك الساحر العتيق، لا يُحبّذ الغرباء، من بين أمواجه السوداء، انبثقت ظلالٌ صغيرةٌ كالجنّ البحري، تحمل في أكفها سهاماً من نار وصواريخَ من قِصاص، إنها قصة بحرٍ قرّر أن يردّ الجميل لسكان شواطئه، فحوَّل أبناء اليمن – الذين عرفوا لغة النجوم والريح – إلى سحرةٍ ينسجون من رمال الصحراء قوة تُذيب غرور الفولاذ، هنا، حيث تتصادم أساطير القوة مع إبهار وتصدي المقاومة، تبدأ حكايةُ الأسطول الذي ظنّ نفسه إلهاً، فاكتشف أن البحر لا يُقسَم إلا لأصحابه.
نقاط ضعف خطيرة
تشهد العمليات العسكرية التي تنفذها القوات اليمنية ضد السفن وحاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية تصعيداً ملحوظاً، وسط تحذيرات من تزايد مخاطر تعرُّض الأسطول الأمريكي لأضرار جسيمة في المناطق الاستراتيجية، مثل مضيق باب المندب وبحر العرب.
فقد استهدفت هجمات يمنية حديثة مدمرتين أمريكيتين خلال عبورهما مضيق باب المندب، باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ متطورة، في عمليات وصفت بأنها “تكشف نقاط ضعف خطيرة في القدرات الدفاعية للأسطول البحري الأمريكي”. كما شملت الهجمات حاملة الطائرات الأمريكية “أبراهام لينكولن” في بحر العرب، عبر صواريخ مجنحة وطائرات مسيرة، فيما تمثل العملية الثانية استهداف مدمرتين في البحر الأحمر بصواريخ باليستية.
سيناريوهات مستقبلية
أشارت تحليلات أمنية إلى أن التكتيكات اليمنية تطورت بشكل لافت خلال العام الماضي، مع استخدام أسلحة متقدمة قادرة على تنفيذ مهام معقدة، بما في ذلك صواريخ باليستية مضادة للسفن تهدد حاملات الطائرات الأمريكية العملاقة، وفي حادث سابق، تعرَّضت حاملة الطائرات النووية “دوايت د. أيزنهاور” لخطر مباشر بعد إطلاق صاروخ يمني وصل إلى مسافة قريبة منها دون أن يتم اعتراضه، مما دفع البحرية الأمريكية إلى سحب حاملات الطائرات من مناطق المواجهة المباشرة إلى مواقع أبعد خوفاً من تدميرها.
بدلاً من الاعتماد على حاملات الطائرات، لجأت الولايات المتحدة إلى نشر مدمرات وسفن حربية أصغر حجماً، إلا أن تقارير أشارت إلى أن هذه السفن أيضاً توضع في مرمى الهجمات، مع اعتراف مسؤولين أمريكيين بوجود ثغرات في أنظمة الدفاع البحرية.
من جهة أخرى، يُنظر إلى التحديات التي تواجهها البحرية الأمريكية في اليمن على أنها مؤشر لسيناريوهات مستقبلية محتملة في حالة نشوب صراع مع قوى عسكرية كبرى مثل الصين، حيث قد تُستَخدَم التكتيكات نفسها – لكن على نطاق أوسع – لتعطيل التفوق البحري الأمريكي.
استراتيجية قد تكون نموذجا
في هذا السياق، حذرت تقارير من أن الاستراتيجيات اليمنية قد تكون نموذجاً يُحتذى به من قبل أعداء الولايات المتحدة، لا سيما في ظل القدرة على استغلال نقاط الضعف الأمريكية في مواجهة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، مما يفرض إعادة تقييم جذرية لخطط الردع والأمن البحري الأمريكي.
تُظهر التطورات الأخيرة تصاعداً في فعالية الهجمات اليمنية ضد الأصول البحرية الأمريكية، مع إبراز ثغرات استراتيجية وتكنولوجية في الأسطول الحربي، مما يطرح تساؤلات حول مدى جاهزيته لمواجهة تهديدات غير تقليدية، وتأثير ذلك على موازين القوى العسكرية العالمية مستقبلاً.
غربت شمسٌ أخرى على سطح البحر، لكنها هذه المرة لم تكن شمس النصر المُعتاد، الوحوش الفولاذية تتراجع إلى الأفق، تحمل في بطونها جراحاً من لهيب الجنّ الصغير، بينما الأمواج تهمس بأسماء أولئك الذين حوّلوا الحقد إلى إبرة، واليأس إلى سهم، البحر، الذي شهد صراع الآلهة والعبيد، يعود ليروي الحكاية من جديد: ليست القوة بالضخامة، بل بالرشاقة التي تثقب القلب، وليست الأسلحة بالعدد، بل بالحكمة التي تختزل الزمن في ثانية, ربما ستبقى حاملات الطائرات تزأر، لكن الأكيد أن القوات المسلحة اليمنية – حُماة الأساطير الجدد – رسموا درساً في دفتر البحر: “مَنْ يلعب مع النار فوق الماء، إما أن يُطفئها، أو تُطفئه”، وهكذا، تظل الأمواج تُرَدِّدُ لغزاً أخيراً: هل كان هذا مشهد النهاية… أم مجرد فاتحة لعصرٍ تُكتَبُ حكاياته بأسلحةٍ من ضباب؟
تقرير/ هلال جزيلان