أحفاد بلال وإنسانية القائد…بقلم/فهمي اليوسفي
تابعت خطاب قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي قبل أيام ووجدته خطابا عميقا وهادفا، يتجلى ذلك من خلال عناوينه المتعددة وأبعاده الاستراتيجية على كافة الأصعدة؛ هذا في حال استطاع القارئ الغوص بعمق في ترجمته بعين العقل ..
لقد شدَّت انتباهي مضامين هذا الخطاب الأمر الذي جعلني أخوض في مخاطبة ذاتي وأغوص بالتفكير حول كثير من المسائل الواردة ضمن سياقه وتزامنه مع أحداث ومتغيرات الزمان والمكان سواء على المستوى الدولي أو الاقليمي أو الداخلي، فكان ذلك عاملا لأن أستحضر جزءاً من أرشيف الذاكرة الوجدانية المرتبطة بما ورد في الخطاب، وكل هذا كان دافعا لي لأن أتناول كتابة هذه السطور، واختصر الإشارة إلى ما تيسر من اهم الرسائل الواردة ضمن سياق هذا الخطاب :
أولا: ملامح الخطاب الأولية توحي بأنه مشروع جميل ومتكامل له طابع إنساني بحت ويوضح القضية اليمنية برمتها وتصويبه لكافة التحديات التي تواجه هذا البلد مع برنامج بالحلول المطلوبة موضحا علاقة القوى الامبريالية بعملية الاستهداف للمنطقة بشكل عام واليمن بشكل خاص .
ونظرا لأهمية ما ورد في مضمون هذا الخطاب قلت في قرارة ذاتي ينبغي أن تتم ترجمته بعيدا عن السطحية وبعيدا عن التشوه، لأنه بالغ الأهمية ويحمل في طياته مسارات متعددة تصب أولا نحو مواجهة العدوان ثم بناء الإنسان كحجر أساس لبناء الأوطان ويفضح من خلاله القوى الدولية التي تتشدق باسم حقوق الإنسان وهي تمارس ابشع الانتهاكات بحق الشعوب والإنسانية .
الخطاب يحمل في أحشائه نصائح ومشاريع مدروسة إذا أحسن الكثير منا ترجمة ما بين السطور سواء على الصعيد الميداني أو ما يتعلق بالجانب الإيماني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، بما فيه ما أشار إليه قائد الثورة حول أهمية المشاريع الثقافية والإعلامية وكيفية هندسة برامج تكفل إحداث ثورة وعي لدى العامة باعتبار ذلك المدماك الأساسي لمواجهة أعداء الحياة والإنسانية، وعلى رأس أولئك الاعداء الذين تطرق إليهم الصهيونية العالمية وأدواتها المتصهينة في الشرق الأوسط وحتى على المستوى الداخلي .
لو غصنا بعمق في ترجمة هذا الخطاب فإن ذلك سيتطلب منا حلقات طويلة نظرا لعمقه ولأن عمق الخطاب هو من عمق القائد الذي يعتبر قائدا استثنائيا ولديه رسوخ من الناحية السياسية ومؤمن إيماناً مطلقاً بالله وبعدالة قضية بلده، ومتسلح بكل قيم الزهد ذات الطابع الإيماني والإنساني والوطني وهي قيم قرآنية .
الخطاب يعد خارطة طريق لمن يفهم ويريد أن يفهم ثورة الوعي، وهو خارطة طريق لما نحن بصدده من مواجهة العدوان كهدف أساسي، الخطاب ليس عفويا وليس عشوائيا، بل هو خطاب ممنهج.
الخطاب يحمل تطلعات جميلة لمستقبل أكثر إشراقا لليمن، لا وجود فيه لثقافة الاستبداد والاستعباد، أو العنصرية.
الخطاب يحتاج إلى قراءة من كافة الزوايا من ذوي العقول الأكثر إدراكاً للمتغيرات ممن لديهم فهم ومشهود لها بالإنصاف، وليست قراءة من بعض الأدمغة الجامدة ممن يرقعون “البالي بأبلي” …
الخطاب عقلاني وواقعي لكنه بالغ الأهمية ويكفي انه يحمل مشروعا ثوريا يجسد احترام آدمية الإنسان والانتصار لكل قيم الإنسانية، لهذا السبب أحببت إيضاح ما تيسَّر حول ما ورد في مضمونه .
لقد شد انتباهي عندما تطرق السيد القائد إلى أحفاد بلال ناصحاً بالاهتمام بهم … وزاد احترامي له حين تطرق إلى هذه الشريحة وهذا يعد وسام شرف لهذا القائد العظيم، لكن للأسف الشديد لم يدرك الكثيرون أهمية هذا الخطاب، فأصبح البعض يتناول ترجمته على أن ذلك فقط دليل على درجة اهتمام السيد بهذه الشريحة لكونها تعاني من التهميش والفقر والاستعباد والاستبداد، هذا صحيح، لكن الإجابة جزئية وليست كلية، حتى أنني مازحت أحد الأحبة من الأنصار فقلت له اليوم السيد القائد- حفظه الله -من خلال هذا الخطاب أجزم انه يساري ومؤمن بقيم اليسار لأنه يطبق مبادئ الاشتراكية الحقيقية لكن بطابع إسلامي وعلى نفس الثوابت التي وضعها المصطفى محمد إبن عبدالله ومن ثم الإمام علي إبن أبي طالب -كرم الله وجهه- من خلال ترسيخ مبادئ المساواة ودمج هذه الشريحة في إطار المجتمع، وليكن ضمن بنك الأهداف إلغاء جوانب التهميش لهذه الفئة ورد الاعتبار لها بحكم تراكم تهميشها منذ إقدام معاوية على اغتصاب الحكم وصولا إلى هذه المرحلة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحزب الاشتراكي إبان التشطير كان قد بذل جهدا في دمجهم مع المجتمع وكان حريصا على تعليمهم وتأهيلهم، فأصبح منهم القائد العسكري والسياسي والمدرس، فمثَّل ذلك خطوة إيجابية نحو الدمج لهذه الفئة مع بقية شرائح المجتمع، لكن القوى التقليدية والكنبرادورية + الرأسمالية المتوحشة إضافة لمراكز قوى (قبلية، مشيخية، عسكرية، تطرفية، وهابية) ومنها التي حكمت في الشمال واجتاحت الجنوب صيف 94م، هي من رسخت مبادئ تقليدية لزرع الفوارق الطبقية وتجذير ثقافة الاستبداد والاستعباد والعنصرية وهي ثقافة جاهلية تصادر حق الإنسان في الحياة والعيش الكريم، يترتب على بقائها كثقافة تنامي الهيمنة التقليدية غير المؤنسنة والرأسمالية المتوحشة “الصهيونية” كما كان يروِّج البعض “لا صوت يعلو على صوت شيخ الصنادق والحوانيت”.
وفي الوقت الذي أتت مناسبة الخطاب مع أحداث دولية وإقليمية وداخلية استطاع قائد الثورة أن يوجِّه عدة رسائل من خلال هذا الخطاب أولا للداخل وثانيا للخارج منها رسائل مضادة لمربع الصهيونية العالمية التي تقود العالم برأسماليتها المتوحشة وفي مقدمتها أمريكا التي تشهد اليوم أحداث صراع عنصري بين أصحاب البشرة السوداء وأصحاب البشرة البيضاء، كما هو حال شعور الأمريكان من أصول إفريقية باضطهاد وحرب عنصرية تشن عليهم من قبل أشباح الصهيونية ذوي البشرة البيضاء، بينما الإسلام يلغي هذا التمييز العنصري الذي برز في أمريكا وغيرها، أي أن القرار الذي تتم صناعته في واشنطن هو للتسلح بالسلوك العنصري الذي صنعته مطابخ الناتو لذوي البشرة البيضاء، وبالتالي فإن إحدى الرسائل التي قدمها السيد القائد هي رسالة تضامن غير مباشرة مع الأفارقة الأمريكان الذين يعانون من العنصرية وهنا تكون الرسالة عابرة للحدود وتحديدا للقارة الأمريكية وغيرها لكون الخطاب مؤنسناً حتى النخاع في الوقت الذي يعد رسالته قوية تستدعي الاهتمام بها لإبراز قيم الإسلام على مستوى الساحة الدولية إذا تم وضعها في إطار مشاريع مدروسة ونقلها للتنفيذ عبر العديد من الآليات منها السياسية والثقافية والإعلامية وغيرها، بحيث تصب نحو مشروع التحرير والتحرر من هيمنة الصهيونية العالمية وهز عروشها الإستكبارية، وهو ما يؤكد براعة وإتقان السيد القائد في إجادة لعبة السياسة على المستوى الدولي وكل يوم يبرهن الواقع انه من عباقرة السياسة الجميلة وليست السياسة القذرة ومواقفه إنسانية ١٠٠% .
أما الرسالة الثانية المرتبطة بسياق حديثه عن أحفاد بلال، فهي رسالة موجهة للقوى المتصهينة على المستوى الإقليمي، ومنها الكيان السعودي المتصهين وشقيقه الإماراتي المؤمرك ومن على رأسه ريشة من المتصهينين والمتسعودين .
هنا نستطيع أن نفهم درجة الابعاد الاستراتيجية لمضمون الرسالة الثانية التي هي موجهة اقليميا نحو هذه الأطراف المرتبطة بالقوى الإمبريالية التي تقودها أمريكا وبريطانيا والتي نلمس اليوم انها تمارس العنصرية كما أسلفنا الإشارة لذلك بتنامي مشاريع التمييز والعنصرية وآفة الطبقية والعرقية لمزيد من التهميش والاستعباد والاستبداد لهذه الفئة من قبل الإمبريالية الإقليمية ( الرياض وابوظبي ) وبالتالي كيف نفهم درجة الطبقية والعنصرية في هذه الدويلات الإقليمية وكيف كرست انظمتها من الباطن التمييز والعنصرية، وتهميش هذه الفئة وانتهاك حقها في الحياة، ولو نظرنا إلى نسبة الفئة المهمشة في الجزيرة العربية سنجدها تصل إلى ما بين 4 – 5 ملايين، وهنا تكون رسالة السيد قد وصلت لهذه الفئة على المستوى الإقليمي إذا استوعبها من ينبغي هنا أو هناك وذلك باعتبار مكافحة العنصرية جزءاً من الانتصار لآدمية الإنسان ولكل قيم الإنسانية الجميلة ويتطلب منا جميعا الإسهام في رفع درجة الوعي الجمعي عبر العديد من الآليات منها الثقافية والإعلامية وغيرها.
الرسالة الثالثة المرتبطة بأحفاد بلال هي للداخل، وتزامنت مع أحداث البيضاء التي كان يقودها الشيخ المرتزق ياسر العواضي، والمعروف عنه بعمالته للقوى المتصهينة وشخصية متغطرسة ولا يضع أي اعتبار لكثير من شرائح المجتمع بل يمارس الامتهان والاحتقار حتى للبسطاء ومنهم أحفاد بلال حيث يعتبرهم عبيدا كسلوك إدماني لديه ناتج عن غروره وامتدادا لثقافة شيخ الصندقة ونظام العصابة التي قادها عفاش، أي أن الطبقية والعنصرية هي متوارثة ضد هذه الفئة من قبل البعض، بمعنى أدق أن بعض التكتلات المشيخية المجردة من القيم الإنسانية تمارس العنصرية مع أن الكثير من المشيخيات لا تمارس العنصرية بل متسلحة بالقيم الإنسانية النبيلة، واليوم سيد الثورة ينتصر لحقوق هذه الفئة على المستوى الدولي والإقليمي والداخلي ويجسد لغة الإيمان بنبذ التمييز والعنصرية وينصح بالتكافل الاجتماعي على ضوء الثوابت الإسلامية في الوقت الذي يحاول البعض إسقاط مفهوم الزكاة من مفهومها الحقيقي كإسقاط لركن من أركان الإسلام تجلى ذلك عبر بيان حزب الإصلاح.
الرسالة الرابعة، تقضي بالشروع في دمج هذه الفئة مع شرائح المجتمع دون إبقائها في دائرة العزل ومنحها كافة الحقوق المكفولة لها وفقا للثوابت القانونية وشرع الله، وهذا موقف شجاع يؤكد إنسانية قائد الثورة وشعوره بالمسؤولية أمام الله وأمام ضميره الوطني، مع ان موقفه تجاه هذه الشريحة هو جزء من الإنصاف، لأن القضاء على التمييز والعنصرية هو حجر الأساس لبناء دولة عادلة يتطلع إليها عامة اليمنيين ويكون فيها هناك احترام للحقوق والحريات ويتساوى الجميع أمام القانون النافذ وبموجب شرع الله وشريعة محمد ابن عبدالله .
الرسالة الخامسة موجهة لأحفاد بلال في كثير من بلدان العالم بأن يقفوا ضد العنصرية الأمريكية والانتصار للقيم الإنسانية والقضاء على العنصرية مع ان الرسائل متعددة والحديث متشعب عن ذلك .
الرسالة السادسة تتمثل في إعادة الاعتبار للتاريخ المدون من قبل بعض المؤرخين ممن اغفلوا وهمشوا هذه الشريحة بعدم الإشارة إليهم – لا من قريب ولا من بعيد- ومارسوا العنصرية في تحويرهم حلقات التاريخ بعيدا عن حيادية المؤرخ، وهنا سيد الثورة بدأ يعيد الاعتبار لحلقات التاريخ من خلال إعادة الاعتبار لهذه الشريحة .
إذاً كيف نجعل من هذه التلميحات الثورية للسيد القائد مشروعا لإحداث ثورة توعوية في أوساط المجتمع وفي عمق شريحة أحفاد بلال، دوليا وإقليميا وداخليا؟
فعلا إذا تم الغوص في ترجمة هذا الخطاب فإنه يحتاج لحلقات متعددة، لكن أثبت الواقع أن صاحب الخطاب قائد حكيم ومحنك وسياسي عميق، وبنفس الوقت استثنائي، متسلح بالقيم والسلوك الإنساني والوطني والإيماني .
فهل يفهم الأصدقاء والأحبة من مختلف ألوان الطيف ومن ضمنهم رفاق اليسار والأنصار كيف يتحوَّل هذا الخطاب إلى مشاريع ثورية تصب في مجملها نحو رفع درجة الوعي الجمعي ويعبر الحدود لتحقيق الأهداف الإنسانية الجميلة؟
مسك ختام هذه “السطور الصرخة في وجه المستكبرين” علَّها تكون عاملا لطرد الجن والشياطين والمصابين بمرض العنصرية، خصوصا من يساندون العدوان والصهيونية والأمريكان “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
* نائب وزير الإعلام