أبعاد مواجهة غزة الاخيرة في الصراع ضد العدو
الحقيقة/شارل ابي نادر
قد تكون جولة المواجهة الصاروخية ـ الجوية الاخيرة في غزة، بين العدو الاسرائيلي والمقاومة الفلسطينية (الجهاد الاسلامي ـ سرايا القدس) غير مختلفة في معطياتها او عناصرها عن غيرها من جولات سابقة، حيث كانت تقوم باغلبها على رد صاروخي او مدفعي او ميداني من قبل فصائل المقاومة، حماس او الجهاد او غيرها، على اعتداء اسرائيلي، كقصف وتدمير لمواقع او منشآت للمقاومة، او كعملية اغتيال لاحد قادة او كودار او عناصر الاخيرة، لتنتهي المواجهات تلك من جهة بسقوط شهداء او اصابات لدى المقاومة وبدمار نسبي، ومن جهة أخرى بتكبيد العدو بعض الخسائر في الارواح او العتاد وبنسب متفاوتة.
من خلال متابعة مسار المواجهة الاخيرة التي حدثت بين نهاية الاسبوع الماضي وبداية الجاري، والتي جاءت اسرائيليا تحت اسم “الحزام الاسود ” و”فلسطينيا ” تحت اسم “صيحة الفجر”، وكان سببها الرئيس اعتداء اسرائيلي مزدوج، استهدف في حي الشجاعية في غزة احد قادة الجهاد الشهيد بهاء أبو العطا، وفي دمشق كمحاولة لاغتيال عضو المكتب السياسي بالجهاد القائد أكرم العجوري، يمكن استنتاج عدة ابعاد مهمة، قادرة ان تؤسس لمرحلة جديدة في الصراع ضد العدو، وهي التالية:
على الصعيد الميداني العسكري:
ـ لقد اثبتت المواجهة الصاروخية الاخيرة، ان المقاومة الفلسطينية ـ الجهاد الاسلامي بالتحديد، اصبحت تمتلك منظومة صاروخية فعالة، لا يمكن للعدو ضبطها وتقييدها، اولا من الناحية الاستعلامية حيث فشل في امتلاك المعطيات الكافية مسبقا عن نقاط وقواعد الاطلاق وكيفية توزيعها داخل القطاع، وثانيا من الناحية العسكرية عند المواجهة، لجهة فشل منظومات القبة الحديدية في اعتراض النسبة الاكبر منها عند اية مواجهة، اذا كانت طارئة ومفاجئة، اواذا كانت محضرة ومخططاً لها ومعروفة مسبقا.
ـ على الصعيد العسكري ايضا، تبين أن المقاومة الفلسطينية تمتلك منظومات صاروخية نوعية، تخطت في مدى وصولها مسافات بعيدة، كانت حتى ما قبل الامس، محصنة او محيدة عن الاستهداف، وإذ نتكلم في العملية الحالية عن صورايخ الجهاد الاسلامي، ولكن ايضا ينطبق هذا الموضوع على صواريخ حماس والتي هي بالحقيقة مماثلة وربما تضاهي قدرات الجهاد الاسلامي.
على الصعيد الاستراتيجي:
انطلاقا من متابعة وتحليل مسار المواجهة الاخيرة بين غزة وبين كامل الاراضي المحتلة خارج القطاع، وربطها بالمسار العام للمواجهة الواسعة في المحيط، او بالمسار العام للصراع بين العدو وبين محور المقاومة، يمكن استنتاج ما يلي:
ـ لناحية المقارنة مع قدرات اطراف اخرى في محور المقاومة، وخاصة المقاومة اللبنانية (حزب الله)، وانطلاقا من التاثير الفعال لصورايخ الجهاد الاسلامي ـ سرايا القدس على العدو، والتي يمكن استخلاصها بشكل دقيق، فقط من تعليقات صحيفة “هآرتس” دون غيرها من وسائل اعلام العدو، في الافتتاحية التي جاء فيها: “مواطنو اسرائيل علقوا في اليومين الاخيرين في شرك عبثي، فقد تبين لهم ان غزة أصبحت تطوق “اسرائيل” بقدر لا يقل عما تطوق به “اسرائيل” القطاع”، وفي ما صرح به الكاتب في الصحيفة المذكورة أوري مسغاف، بقوله: “اسرائيل لم تظهر أكثر ضعفا من أي وقت مضى أكثر من هذا الأسبوع… على الفور بعد عملية الاغتيال، دخلت اسرائيل في حالة ذعر. وابل من صافرات الانذار والتحذيرات، استوديوهات متتالية، حركة قطارات تم وقفها، الغاء التعليم من غوش دان وحتى الجنوب… الملايين من الاسرائيليين في البيوت والملاجئ. مليارات الشواكل ذهبت هباء”.
هذا لناحية الاشتباك مع الجهاد الاسلامي والمقيد بالقدرات وبالجغرافيا، عبر صليات صاروخية محددة، فكيف سيكون الوضع لو حصل الاشتباك مع الجبهة الشمالية والتي يقودها حزب الله، حيث القدرات النوعية الضخمة، والجبهة الاوسع والانسب جغرافيا وميدانيا، إذ حينها سوف يكون حتما الوضع الداخلي مختلفا بالكامل، وعلى كامل اراضي فلسطين المحتلة بين لبنان والاردن ومصر.
ـ لناحية بناء معادلة ردع فعالة، وهنا بيت القصيد او ما هو الاهم في تلك الابعاد التي خلقتها المواجهة الاخيرة بين العدو وبين الجهاد الاسلامي ـ سرايا القدس، والتي يمكن مقاربتها وتثبيتها (معادلة الردع) من خلال نقطتين اساسيتين: الاولى وتتعلق بتطوير وتوسيع القدرات الصاروخية او الاسلحة النوعية، والثانية وتتعلق بالقرار، بما يعني اتخاذ قرار الرد والمواجهة عند اي اعتداء.
النقطة الاولى: موضوع القدرات، تأتي ضرورة تطويرها وتوسيعها، في النوعية وفي الكمية، فحساسية موقع قطاع غزة تشكل نقطة تاثير سلبية ضخمة على العدو، حيث المسافة القريبة التي لا تحتاج لصواريخ بعيدة المدى، بل الحاجة اكثر ربما لمنظومات توجيه دقيقة، ولالية عملية لتجهيز القواعد والاطلاق، ولمناورة سرّية للخزن والنقل والتحضير.
مصانع الصواريخ او الاسلحة النوعية، تلعب ايضا دورا مهما في تثبيت وتحصين معادلة الردع، والتي تحتاج اكثر ما تحتاجه بالاضافة الى التقنية والمواد الاولية المطلوبة، فهي تحتاج الى السرِّية، والتي بمجرد ان تتوفر وتتثبت، عبر المكان المموه وعبر العناصر الموثوقة، فإن ذلك يشكل نقطة المقتل للعدو، حيث تلعب المصانع دورا متقدما في الاستغناء عن نقل وتهريب الصورايخ، خاصة في ظل الحصار الخانق وزنار الرصد والمراقبة والاستعلام القوي الذي يفرضه العدو.
النقطة الثانية: قرارالرد والمواجهة، وربما هو الاساس والذي يحتاج الى الالتزام بالمقاومة والى الجرأة والإقدام، مع احترام القيود او الخطوط الحمراء التي يتم وضعها من الاساس، والتي تخلق المصداقية بالنسبة للصديق وبالنسبة للعدو الذي يُجبر على ان يحسب الف حساب قبل التفكير باي اعتداء.
القرار الثابت بالرد عند اي اعتداء، او عند اي تجاوز للخطوط الحمراء التي يتم وضعها، يجب ان يتعود عليه العدو ويقتنع بانه تحصيل حاصل، وهذا يتم عبر تراكم الالتزامات المتتابعة بالرد دائما عند تخطي العدو للخطوط الموضوعة، والاهم ان يكون دائما قرار الرد منعزلا عن كل ارتباط داخلي او خارجي، تحت اية ظروف مهما كانت، لان العدو الاسرائيلي سيحاول دائما استغلال الظروف الخارجية المؤثرة على القرار بالرد، وهو باغلب الاحيان يخلق هذه الظروف او يطورها بهدف استغلالها لتمرير اعتداء ما او اغتيال ما عبرها.
هكذا، ومن خلال فرض وتثبيت معادلة الردع، يمكن للمقاومة الفلسطينية حينها الانطلاق بمواجهة العدو على خلفية محصنة وقوية، ويصبح بالامكان تثبيت وفرض ما جاء على لسان الناطق باسم سرايا القدس ـ الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين “أبو حمزة” بان من يحدد شكل وتوقيت الجولة او اية جولة مع العدو هو نحن (المقاومة الفلسطينية)، وبان المقاومة لن تسمح بالمطلق باعادة سياسة الاغتيالات لقادتها ولكوادرها.