أبعاد تمدد صراع “القاعدة وداعش” باتجاه المناطق الغنية بالنفط والغاز في اليمن
يحتدم الصراع بشكل متسارع منذ منتصف الشهر الماضي، في المناطق اليمنية المحتلة، بين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وبين الدولة الإسلامية “داعش” على بسط النفوذ في المناطق الغنية بالنفط والغاز، خاصة بعد أن قررت دول التحالف مؤخراً تضييق الخناق على حزب الإصلاح في المحافظات المحتلة، وإقصاء قيادة الحزب من المناصب القيادية في المرافق الحكومة والعسكرية التابعة للتحالف في اليمن.
ويحبس الشعب اليمني أنفاسه إزاء التطورات الأخيرة جراء تمدد الصراع الدموي بين تلك العناصر الإرهابية إلى المناطق اليمنية الغنية بالنفط وعلى وجه الخصوص في محافظتي مأرب وشبوة شرقي اليمن، وتغذية ذلك الصراع من قبل دول التحالف عبر عسكرة العناصر الإرهابية داخل الفصائل المسلحة التابعة للتحالف، والتي باتت تداعياتها لا تختلف كثيراً عن تداعيات الصراع الدموي بين “الانتقالي و”الإصلاح” في زعزعة السلم والاستقرار المحلي في المحافظات المحتلة، حيث يخشى الكثير من المراقبون خروج المواجهات والمعارك الجارية في مأرب وشبوة عن نطاقها الجغرافي، ما قد يؤدي إلى نشوب صراع دموي مباشر في كافة مناطق المدن الرئيسية المحتلة وفي مقدمتها محافظتي عدن وحضرموت.
تهديدات متبادلة
وكان التنظيمان الإرهابيان “القاعدة وداعش” قد اصدرا مؤخرا سيل من بيانات الوعيد والتهديدات.
وأعلن تنظيم “داعش” الإرهابي، في 19 إبريل الماضي عن إطلاق عمليات إرهابية، خلال الأيام القادمة، ثأراً لقتلاهم من أمراء التنظيم، وذلك تزامناً مع تحركات عناصر تنظيم القاعدة في محافظتي حضرموت وأبين وبدعم وتنسيق مع قوات التحالف (حسب بيان داعش).
وقال المتحدث الرسمي للتنظيم المُكنَّى “أبو عمر المهاجر” في كلمة صوتية نشر على موقع مؤسسة الفرقان الإعلامية التابعة للتنظيم الإرهابي، عمّا أسماها “غزوة” للثأر من مقتل أمرائهم وقادتهم وعلى رأسهم “أبو إبراهيم القرشي”، والمتحدث السابق للتنظيم “المهاجر أبو حمزة” في مأرب على يد عناصر “القاعدة.
وفي السياق أصدر تنظيم “القاعدة” في 18 مايو الجاري، بيان نعى فيه أمراء قتلوا على يد عناصر تنظيم داعش، وتوعد البيان بالثأر لقتلاه.
صراع متجدد
وشهدت المناطق المحتلة مؤخراً اغتيالات متبادلة بين “القاعدة وداعش” في محافظات شبوة ومأرب.
وأفادت مصادر محلية في محافظة مأرب لـ”وكالة الصحافة اليمنية”، الأحد الماضي، إن عبوة ناسفة زرعها عناصر من تنظيم “القاعدة” في سيارة أحد أمراء تنظيم “داعش” انفجرت في أحد جسور “وادي أفلج” أثناء توجه من بيحان شبوة للقتال في صفوف “ألوية العمالقة” بمنطقة “ملعا” في أطراف مديرية حريب مأرب.
ووفقاً للمصادر، فقد أسفر الانفجار عن مفتل الأمير وأحد مرافقيه واصابة 3 أخرين.
يأتي ذلك بعد 3 أيام من بيان نعي “القاعدة” لأميرها “أبوحمزة الهمداني” و3 من مرافقيه في أطراف مديرية حريب، وهو الأمير الثاني في تنظيم القاعدة ممن عملوا في مجال التدريس بجامعة الإيمان التابعة للقيادي عبدالمجيد الزنداني يقتل على يد مسلحي داعش.
وأفادت المصادر ذاتها، في 22 مارس الماضي، إن اشتباكات وقعت فيما بين مسلحي تنظيم “القاعدة” ومسلحي تنظيم “داعش”، في أطراف وادي عبيدة جنوب مدينة مأرب، مما أدى إلى سقوط العديد بين قتيل وجريح، أبرزهم مقتل أمير في تنظيم القاعدة يدعى “أبوعبدالله الصنعاني”.
ورأى مراقبون للشأن اليمني، أن الاغتيالات المتبادلة بين مسلحي الجماعات الإرهابية “القاعدة وداعش” هو بمثابة مقدمة لصراع دموي مرتقب بينهما في المناطق اليمنية المحتلة.
الصراع الدموي بين مسلحي “القاعدة وداعش” لم يكن وليد اللحظة فقد سبق وأن خاض التنظيمان الإرهابين صراعاً دموياً في مناطق قيفة محافظة البيضاء منتصف يوليو 2018م.
ووفقاً لموقع “سايت” الأمريكي الاستخباراتي الدولي المختص بشؤون التنظيمات الإرهابية قد كشف أن عناصر داعش هاجموا منتصف يوليو 2018م مواقع عسكرية تابعة لتنظيم القاعدة في مديرية قيفة، ما أسفر عن مقتل 13 عنصرا من “القاعدة” واعتقال 12 آخرين.
وأكد الموقع الأمريكي، أن تنظيم داعش نشر شريط فيديو على موقع “أعماق” الذراع الإعلامي للتنظيم، يظهر الـ 12 عضوا من تنظيم القاعدة الذين أسرهم “داعش”.
وبحسب الموقع الأمريكي الاستخباراتي، فقد هاجم تنظيم القاعدة موقعا لتنظيم داعش في قيفة، رداً على هجوم “داعش” ما أسفر عن مقتل أكثر من 25 عضوا من “داعش” الاستيلاء على أسلحة وسيارات عسكرية كانت بحوزة عناصر داعش.
وأشار الموقع، إلى أن تنظيم القاعدة دعا في بيان مقاتليه والقبائل المساندة له في قيفة، إلى مواصلة القتال ضد تنظيم داعش.
تبادل أدوار
وأثارت التحركات الأخيرة للعناصر الإرهابية “القاعدة و”داعش” في المحافظات المحتلة، القلق فيما يخص الغموض من قيام الولايات المتحدة ودول التحالف بتحريك مسلحي تنظيم “داعش” في المحافظات الجنوبية، وقيام ميليشيا الإصلاح بدعم تحركات مسلحي القاعدة في مأرب وشبوة وأبين.
ويرى مراقبون، للشأن اليمني، أن تلك التحركات تأتي بإيعاز من الولايات المتحدة ودول التحالف بهدف تمكين التنظيمات الإرهابية من السيطرة والتواجد بشكل رسمي في المحافظات المحتلة ولا سيما محافظتي شبوة ومأرب، ضمن مخطط خفي يتم إعداده في المحافظات الجنوبية.
ورجح المراقبون، أن الإمارات والسعودية وبإيعاز أمريكي، تُعدان مخطط لصراع دموي فيما بين الفصائل الإرهابية لتقليص نفوذ ميليشيا الإصلاح في مأرب وشبوة وميليشيا الانتقالي في المحافظات الجنوبية المحتلة.
وتزعم السعودية والإمارات أن تحركات تنظيم “داعش” يأتي تحت مسمى دعم تحركات “ألوية العمالقة” التابعة لميليشيا “الانتقالي” التي تقاتل إلى جانب قوات التحالف، فيما تزعم ميليشيا الإصلاح أن دعمها لعناصر “القاعدة” يأتي تحت مسمى دعم جبهات قوات التحالف في مواجهة قوات صنعاء.
ورأي المراقبون، أن عملية تجنيد مسلحي “داعش” ضمن “ألوية العمالقة” وتسهيل تحركاتهم في المناطق القابعة تحت سيطرة ميليشيا الإصلاح بمحافظة مأرب وشبوة، تندرج ضمن مخططات تمكين العناصر الإرهابية من المحافظتين النفطية، في ظل المساعي السعودية والإماراتية لإقصاء المجندين والجماعات المسلحة التابعة لحزب الإصلاح من مدينة مأرب وتعويضها بمجندين جدد تتبع الإمارات تحت مسميات “ألوية اليمن السعيد” وقوات “النخبة المأربية”، الأمر الذي يعطيها غطاء قانوني للسيطرة على حقول النفط والغاز تحت مبرر محاربة الإرهاب.
الفوضى العارمة
ولعبت دول التحالف وفي مقدمتها السعودية والإمارات طيلة 7 سنوات من احتلال المحافظات الجنوبية والشرقية، دوراً مثيراً للجدل على مستويات مختلفة، خاصة فيما يتعلق بتغذية إثارة الصراع المسلح والدموي فيما بين الفصائل المسلحة التابعة لهما، وعلى الرغم من محاولات إعلام الحليفان الخليجيان إيهام وكلاء التحالف المحليين، بأن تغذية الدولتان لتلك الصراعات هو نتاج تضارب المصالح الإماراتية مع المصالح السعودية في اليمن، إلا أن الواقع يؤكد أن المصالح الإماراتية لم تكن في يوماً من الأيام تشكّل منافسًا قويًا لمصالح السعودية.
ويرى مراقبون، أن مصالح دول التحالف وعلى رأسها السعودية والإمارات، تتعارض مع تطبيع الأوضاع الأمنية في المناطق القابعة تحت سيطرتهما، لأن ذلك التطبيع يعطّل المصالح التي دفعت دول التحالف لشن حربها على اليمن في 26 مارس 2015، سواء فيما يتعلق بالهيمنة على المواقع الاستراتيجية والحيوية اليمنية، من منافذ برية وبحرية وجوية وجزر وسواحل وثروات نفطية ومعدنية، أو فيما يخص سير المعارك في الجبهات المشتعلة مع قوات صنعاء التي حققت مؤخراً تقدمات ميدانية كبيرة في جبهات مأرب وحرض والساحل الغربي وداخل العمق السعودي، حيث باتت الميليشيات والعناصر الجنوبية المسلحة، الوقود الرئيسي لمحاولات التحالف وقف أو حتى عرقلة تقدمات قوات صنعاء قدر الامكان، وأيضاً لضمان استمرار بقاء التحالف في القتال بتلك الجبهات.
ومن هذا المنطلق يأتي دعم التحالف للمواجهات المسلحة المباشرة وعمليات الاغتيالات المتبادلة بين ميليشيا “الإنتقالي” وميليشيا الإصلاح من جهة وبين مسلحي “القاعدة و”داعش” من جهة أخرى، في المحافظات المحتلة كحلقة من حلقات العنف والانفلات الأمني الساعية إلى تقوّيض استتباب الأمن والحد من بناء تكتلات سياسية وتشكيلات أمنية وعسكرية في الجنوب قد تتجه في المستقبل للعمل تحت مظلة قوى إقليمية منافسه للسعودية والإمارات وعلى رأسها قطر وتركيا.
اليمن في خطر
ويمثل نهج دول التحالف التأمري التخريبي في نشر الفوضى العارمة والفلتان الأمني وتجويع وقتل الشعب اليمني والسيطرة على مقدرات وثروات البلاد، الخطر الأكبر في مؤامرات ومخططات دول التحالف الذي ينخر الجسد اليمني وسيادته ووحدته الوطنية.
وتمكن خطورة الدور السعودي والإماراتي التأمري في تغذية نشر الفوضى العارمة –بحسب المراقبون العرب- أكبر أنواع الأخطار المحدقة بحاضر ومستقبل اليمن ، لسببين رئيسيين، أولهما أنه خطر داخلي، ينخر اللحمة الداخلية للنسيج الاجتماعي من خلال نشر الكراهية والطائفية والعنصرية في أوساط الشعب اليمني والثاني أنه لا يقدّم السعودية والإمارات للكثير من المغرر بهم على شكل خطر، مثله مثل خطر أمريكا والكيان الصهيوني والدول الاستعمارية على حاضر ومستقبل اليمن والمنطقة.
كما يأتي دعم التحالف لعماية انتشار العناصر الإرهابية وتغذية الاقتتال فيما بينهما في المحافظات النفطية لضمان حصول تلك الدول على غطاء دولي يمنحها التواجد في تلك المناطق لنهب ثرواتها تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
عسكرة الإرهاب
وفي السياق تحاول دول التحالف، إيهام الرأي العام المحلي والدولي أن انتشار العناصر الإرهابية في المناطق المحتلة هو نتاج طبيعي للانفلات الأمني الناتج عن صراعات الجماعات المسلحة الموالية للتحالف، إلا أن الحقيقة تقول عكس ذلك، حيث أن دول التحالف عمدت إلى تجنيد تلك العناصر للقتال في صفوفها ضد قوات صنعاء ومن أجل تنفيذ أجندتها الاستعمارية في اليمن حيث تقاسمت السعودية والإمارات وبتأييد أمريكي وبريطاني الأدوار في تجنيد تلك العناصر الإرهابية عبر الفصائل التي تديرها الدولتان.
الإمارات استغلت انشقاق العديد من أمراء وعناصر “القاعدة” بعد أن أصاب الضعف التنظيم وفقدان التنظيم السيطرة على موازين القوى في محافظات تعز والبيضاء وأبين وحضرموت وشبوة وانضمامهم إلى تنظيم “داعش”، فسارعت أبوظبي عبر ميليشيا “الإنتقالي” إلى عسكرة جماعات “داعش” الإرهابية تحت مسميات ألوية العمالقة والنخب الحضرمية والشبوانية في المحافظات الجنوبية وكتائب “أبوالعباس” في تعز.
وبدورها نجحت السعودية في عسكرة العديد من عناصر “القاعدة” عبر ميليشيا الإصلاح في مأرب وشبوة وأبين والبيضاء وحضرموت وفي جبهات ما وراء الحدود.
وبهذا ضمنت الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني، تشكيل تكتلان عسكريان للحلفاء الأول تكتل (الإمارات وميليشيا الانتقالي وقوات طارق وداعش) والأخر تكتل (السعودية وميليشيا الإصلاح والقاعدة).