آخر مفاوضات التمديد: السعودية تتحرّك لتجويف الهدنة
مع اقتراب الهدنة الممدَّدة في اليمن من نهايتها، تحثّ واشنطن خُطاها في اتّجاه إقرار تمديد جديد، تبدو مستعدّة من أجله لتلبية جُلّ مطالب صنعاء الملحّة، وعلى رأسها صرف رواتب الموظفين. وإذ تُدرك الرياض هذا الحرص الأميركي، فهي تُحاول في رُبع الساعة الأخير، من خلال القوى المحلّية المُوالية لها، التحايُل على النصوص المطروحة، بهدف إفراغها من مضمونها، أو على الأقلّ تأخير تنفيذها. ولعلّ ذلك هو ما دفع قيادة صنعاء إلى تصعيد تهديداتها، والتلويح باستهداف الشركات النفطية العاملة في اليمن، ما لم يتمّ تخصيص عائدات هذه الثروة لدفْع المعاشات.
بات واضحاً أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بالدفْع في اتّجاه تمديد الهدنة السارية في اليمن وتوسعتها. يجلّي ذلك الاهتمامُ الزائد الذي يُظهره المسؤولون الأميركيون، في الأيام الأخيرة، بالملفّ اليمني، وتشديدهم على ضرورة إدامة الهدنة، وفق ما دعا إليه الرئيس الأميركي، جو بايدن، نفسه، من على منبر الأمم المتحدة، حيث صوّر وقف إطلاق النار في هذا البلد باعتباره منجَزاً من منجزات إدارته الخارجية. والظاهر أن مشروع التمديد والتوسيع حاز بالفعل موافقة كلّ من السعودية والإمارات، وهو ما أكّده غير مرّة المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، غير أن الساعات الماضية أظهرت أن السعودية تحاول ممارسة لُعبة مزدوجة، من خلال إبدائها في العلن الحرص على إبقاء التهدئة، ودفْعها من خْلف الستار حلفاءها المحلّيين إلى محاولة عرقلة الاتفاق، في ما لا يبدو أنه سيعود عليها بنتائج إلى الآن.
في خلفيّة ذلك، يَظهر جليّاً قلق السعودية، بعد قرابة ثماني سنوات من الحرب، من تداعيات ارتفاع الحصار عن المحافظات الخاضعة لسيطرة صنعاء، في وقت تترقّب فيه هي التهديدات الآتية من حدودها الجنوبية، من دون أن تَقدر على فعل شيء إزاءها. ولعلّ أكثر ما يثير قلق الرياض، هو أن أيّ اتفاق على تجديد الهدنة وتوسيعها، لتشمل خصوصاً دفع رواتب موظّفي الدولة، سيكون بمثابة إبطال لآخر الأوارق الإنسانية التي كانت تستخدمتها المملكة ضدّ «أنصار الله». ومع هذا، فليس أمام السعودية سوى أن تُحاول، عبر مندوبيها المرافقين لوفد الحكومة الموالية لها في المفاوضات التي تجري في العاصمة الأردنية عمّان، التحايل على النصوص والتسويف في تنفيذها، بهدف كسْب الوقت. على أن الوقت لم يَعُد ملكها، إذ لم كلّما اقترب استحقاق الثاني من تشرين الأول، موعد انتهاء الهدنة الحالية، باتت تهديدات صنعاء بالعودة إلى التصعيد، في حال الفشل في التوصّل إلى اتّفاق جديد، داهمة أكثر، في ما لا يُعرف ما إن كانت المملكة مستعدّة لمواجهته. وعليه، تبدو الرياض، لدى انتهاء فترة المراوغة، أمام خيارَين اثنَين لا ثالث لهما: إمّا الاستجابة الكاملة لمتطلّبات تمديد وقف إطلاق النار، وأبرزها صرف المرتّبات واستكمال رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة؛ أو التوجّه نحو جولة أخرى من الحرب لن يكون مسرحها هذه المرّة الداخل اليمني.
يبدو التحالف السعودي – الإماراتي والقوى الموالية له أمام اختبار صعب