يوم ثالث من العدوان: اليمن يبعد «هاري ترومان»
توعّدت صنعاء بتوجيه ضربات قاسية إلى القوات الأميركية في البحرين الأحمر والعربي، مؤكّدة أن قرار حظر مرور السفن التجارية الأميركية مرهون بتصعيد الغارات التي استمرت، أمس، وإن بوتيرة متراجعة كثيراً عما كانت عليه في اليومين السابقين، فيما ردّت القوات اليمنية بهجوم جديد على حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» والقطع الحربية المرافقة لها في شمال البحر الأحمر.
وفي كلمة متلفزة له، مساء أمس، أكّد قائد حركة «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، أن حاملة الطائرات الأميركية هربت بعد الاشتباك مع القوات اليمنية، إلى أقصى شمال البحر الأحمر، لتبتعد مسافة 1300 كيلومتر عن السواحل اليمنية، مشيراً إلى «نجاح قواته في التصدي لمحاولة أميركية لشن هجوم عدواني على صنعاء»، وإلى أن «الهجوم اليمني الموازي دفع بالقوات الأميركية إلى إعادة طائراتها بعد انطلاقها من الحاملة». وحذّر من أن «استمرار الأميركي في عدوانه على اليمن دعماً للعدو الإسرائيلي، سيدفع صنعاء إلى مواجهة تصعيده بخيارات تصعيدية إضافية أكثر ازعاجاً للعدو».
وكان الناطق باسم القوات المسلّحة اليمنية، العميد يحيى سريع، أعلن أن الهجوم على الحاملة الأميركية أدّى إلى إفشال الموجة الثانية من العدوان الأميركي على اليمن، في حين توعّد وزير الدفاع في حكومة صنعاء، اللواء محمد ناصر العاطفي، إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بمعركة استنزاف بحرية طويلة الأمد. وأكّد في تصريحات صحافية أن قدرات قواته «تطوّرت بشكل كبير وهي كافية لإدارة معركة طويلة الأمد ستصيب الأعداء بالذهول»، مضيفاً: «أننا نمتلك من القدرات والمفاجآت غير السارة للأعداء الكثير. فصواريخنا اليوم أكثر دقة وتدميراً، وطائراتنا المُسيّرة مزوّدة بقدرات عالية وذات مدى أبعد وتحلّق لساعات طويلة، وزوارقنا وغواصاتنا ذات تطور عال». وتابع أن قوات بلاده «ستفرض قواعد اشتباك جديدة بتكتيك جديد وأساليب متطورة في نطاق عملياتها».
في المقابل، واصلت واشنطن تهديداتها، وتوعّدت وزارة الدفاع (البنتاغون) باستخدام «القوة المميتة المفرطة حتى يتحقق الهدف»، إلا أنها أوضحت في بيان أن «الغارات على اليمن ليست هجوماً بلا نهاية ولا تهدف إلى تغيير النظام». وتابعت أن «قواتنا شنّت أخيراً سلسلة ضربات دقيقة ضد الحوثيين لاستعادة حرية الملاحة وإعادة ترسيخ الردع الأميركي. الموجة الأولى من ضرباتنا أصابت أكثر من 30 هدفاً بما في ذلك مواقع تدريب للحوثيين وبنية تحتية للمُسيّرات وقدرات تصنيع الأسلحة ومراكز قيادة وتحكم. وقضت الغارات على العشرات من قادة الحوثيين».
إجراءات لبنك عدن ستعيد التوتّر إلى العلاقات بين صنعاء والرياض
وعلى الأرض، تراجعت وتيرة الغارات الأميركية بشكل كبير أمس، عما كانت عليه في اليومين السابقين. وتركّزت الضربات الجديدة في محافظة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر غرب اليمن، ونتج منها تدمير مصنع للحديد في منطقة الصليف ومعمل لإنتاج القطن في زبيد، ومنشأة تجارية في منطقة باجل. كما استهدف القصف مبنى حكومياً في مديرية الحزم في محافظة الجوف بسلسلة غارات.
وعلى وقع تلك الاعتداءات، ووسط تظاهرات شعبية مليونية شهدها ميدان السعبين في صنعاء وأكثر من 127 ساحة وميداناً في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حركة «أنصار الله»، تنديداً بجرائم العدوان الأميركي، أبدت الحكومة الموالية للتحالف السعودي – الإماراتي استعدادها للعب دور عسكري وآخر اقتصادي ضد صنعاء، وأعلنت تأييدها للعدوان الأميركي. وجدّد «المجلس الرئاسي» في عدن، في بيان، دعوته الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى دعم قواته، مشيراً إلى جهوزية الفصائل الموالية للتحالف لتنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد «أنصار الله»، واعتبر أن «هذه الخطوة هي السبيل الوحيد لتحقيق الأمن الإقليمي».
بدوره، أيّد قائد الفصائل المسلحة الموالية للإمارات في الساحل الغربي، العميد طارق صالح، العدوان على صنعاء وأرجعه إلى «التهديدات الحوثية التي طاولت الملاحة البحرية في البحر الأحمر»، مبدياً حرصه على أن تكون «عمليات القوات الأميركية دقيقة ومركّزة»، واستعداده للتعاون مع الجانب الأميركي في تضييق الخناق على «أنصار الله» وقطع مصادر تمويلها.
واللافت في الأمر أن موقف حكومة عدن من العدوان في عهد ترامب مغاير لما كان عليه في عهد سلفه، جو بايدن، حين كانت تقلّل من فرص نجاح الحملة الجوية الأميركية – البريطانية في تقويض قدرات «أنصار الله»، بينما تعتبر الجولة الحالية بداية لتحرك دولي واسع قد يعيدها إلى صنعاء على حساب خصومها. ومنذ وصول ترامب إلى السلطة، تراهن الحكومة الموالية للتحالف على تغيّر موقف واشنطن من «أنصار الله»، وهي مراهنات تعاظمت بعد قرار ترامب تصنيف الحركة منظمة إرهابية أجنبية وفرض عقوبات عليها.
وفي موازاة اندفاعة حكومة عدن في تأييد العدوان، عاود البنك المركزي في عدن التصعيد ضد البنوك التجارية في صنعاء، مطالباً إياها بالتعجيل في نقل مقراتها من صنعاء إلى المدينة، مبرّراً ذلك بالتصنيف الأميركي الذي يتهدّد الأنشطة الخارجية للبنوك اليمنية. وزعم البنك أن ثمانية من أصل 17 بنكاً تجارياً تعمل في صنعاء أبلغته في رسائل خطية أنها ستنقل مقراتها من العاصمة، وهو ما اعتبره خبراء إخلالاً باتفاق التهدئة الاقتصادي الموقّع بين صنعاء والرياض منتصف العام الماضي برعاية الأمم المتحدة، والذي يلزم الحكومة الموالية للتحالف بوقف التصعيد الاقتصادي ضد ستة بنوك تجارية سبق لبنك عدن، في تموز الماضي، أن اتّخذ إجراءات ضدها وهدّدها بسحب «السويفت» ووقف كل أنشطتها الخارجية، إذا لم تنقل مراكز عملياتها.
ومن شأن التصعيد الاقتصادي الأخير أن يدفع صنعاء إلى إعادة معادلة «البنوك بالبنوك والنفط بالنفط»، والتي أعلنها الحوثي، مطلع تموز الماضي. ووفقاً لخبراء اقتصاد في صنعاء، فإن استقواء الحكومة الموالية للتحالف بالتصنيف الأميركي، وتحويل القرار إلى أداة للضغط على البنوك، سيتم التعامل معه كعدوان اقتصادي، وسيعيد التوتر بين صنعاء والرياض، صاحبة التأثير الأكبر على حكومة عدن.