هل أصبحت حاملات الطائرات الأمريكية عبئا استراتيجيا في مواجهة التحديات الحديثة؟ الصحفي المتخصص في الشأن العسكري كامل المعمري يُجيب
هل أصبحت حاملات الطائرات الأمريكية عبئا استراتيجيا في مواجهة التحديات الحديثة؟
الحقيقة/ كامل المعمري *
منذ بداية المواجهات بين البحرية الأمريكية والجيش اليمني ، شهدنا تحولا ملحوظا في ميزان القوى العسكرية البحرية، مما أثار العديد من التساؤلات حول مستقبل حاملات الطائرات ودورها في الحروب المستقبلية.
لطالما كانت حاملات الطائرات تُعد من أبرز الرموز القوية للقوة البحرية الأمريكية، حيث كانت تُعتبر عناصر حاسمة في تنفيذ العمليات العسكرية البرمائية والجوية، ومنصات رئيسية للردع والضغط في الصراعات الإقليمية والدولية.
ومع ذلك، ومع تقدم الأسلحة المتفوقة والأنظمة الدفاعية التي تمتلكها دول كبرى ومن بينها اليمن، والتي نجحت في تطبيق استراتيجية “منع الوصول/منع الدخول” (A2/AD) بفعالية، وهي استراتيجية تهدف الى منع وصول او دخول الحاملات الى مناطق استراتيجية ظهرت تحديات جمة تهدد مكانة حاملات الطائرات كأدوات رئيسية في المعارك البحرية الحديثة.
الأنظمة الدفاعية المتقدمة، مثل الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، الصواريخ المضادة للسفن، والطائرات بدون طيار، باتت تشكل تهديدا حقيقيا لحاملات الطائرات، إذ أصبحت هذه السفن العملاقة غير قادرة على العمل بحرية في مسارح العمليات عالية المخاطر كما حدث مؤخرا معها في البحرين العربي والاحمر
تُبرز هذه التطورات الفجوة المتزايدة بين القوة البحرية التقليدية المعتمدة على حاملات الطائرات، وبين القدرة الدفاعية المتقدمة التي باتت تمتلكها دول صغيرة نسبيا مثل اليمن، مما يدفع إلى إعادة تقييم قدرة هذه الحاملات على الصمود في وجه تهديدات حديثة من أسلحة تكنولوجية رخيصة وفعّالة استطاعت تقليص دور هذه الحاملات في مسرح العمليات. هذا الواقع يعيد طرح السؤال حول الاستدامة المستقبلية لحاملات الطائرات كأداة من أدوات القوة البحرية، ويثير النقاش حول التحولات التي تشهدها ساحات القتال البحرية في العصر الحديث وكيفية تكيُّف الأساطيل البحرية الكبرى مع بيئة تهديدات متزايدة ومعقدة
في هذا السياق يؤكد الكاتب براندون جيه ويتشرت في مقال نشره أواخر 2024 بعنوان (انتهى عصر حاملات الطائرات لكن البحرية الأميركية لن تعترف بذلك) أن حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية، التي كانت في يوم من الأيام رموزًا مهيمنة للقوة العسكرية الأمريكية، أصبحت معرضة للخطر بشكل متزايد بفعل صعود أنظمة منع الوصول والدخول (A2/AD). هذه الأنظمة، التي تتميز بأنها أرخص وأسهل في الانتشار مقارنة بالأنظمة العسكرية التقليدية، تهدد بتهميش دور حاملات الطائرات في الصراعات العسكرية المستقبلية،ويرى ويتشرت أن تزايد فعالية أنظمة A2/AD، التي تشمل صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة وصواريخ مضادة للسفن ، يضع حاملة الطائرات في موقف صعب، مما يجعلها أكثر عرضة للهجوم ويحد من قدرتها على العمل بحرية في مناطق استراتيجية.
ويشدد ويتشرت على أن استمرار هيمنة حاملات الطائرات الأمريكية في المستقبل سيكون مرهونًا باتخاذ تدابير دفاعية جديدة، مثل تطوير أنظمة دفاعية متقدمة لمواجهة التهديدات المتزايدة من الأسلحة الحديثة
القوات اليمنية قيدت حركة حاملات الطائرات
القوات اليمنية تمكنت وبجدارة من تطبيق استراتيجية منع الوصول/منع الدخول (A2/AD) بنجاح ضد حاملات الطائرات الأمريكية في البحرين الأحمر والعربي مما أحدث تحولا كبيرا في توازن القوى البحرية في المنطقة
ففي حادثة لافتة، تم إبعاد حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان” عن المياه الإقليمية اليمنية بمسافة تجاوزت 1020 كم، وهو ما يعد تطورًا غير مسبوق في القدرات اليمنية هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، حيث سبقتها حالات مماثلة مع حاملات طائرات أمريكية أخرى مثل “إيزنهاور” و”روزفلت” وغيرها والتي اضطرت إلى مغادرة مسرح العمليات القتالية تحت تهديد الهجمات اليمنية بل وامتدت العمليات اليمنية ضد حاملة الطائرات ترومان على بعد اكثر من الف كم وهذا تطور غير مسبوق
ماهي استراتيجية منع الوصول / منع الدخول
إن استراتيجية “منع الوصول/منع الدخول” (A2/AD) ضد حاملات الطائرات هي مجموعة من التكتيكات والأنظمة الدفاعية التي تهدف إلى تقليص قدرة حاملات الطائرات على الوصول إلى مناطق استراتيجية أو العمل بحرية في مسارح العمليات العسكرية. تعتمد هذه الاستراتيجية على استخدام مجموعة من الأسلحة والتقنيات المتطورة مثل الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، الصواريخ المضادة للسفن، أنظمة الدفاع ، والطائرات المسيرة ، بالإضافة إلى الحرب الإلكترونية، وكلها تساهم في تعطيل قدرات حاملات الطائرات قبل أن تتمكن من تنفيذ مهامها أو التحرك بحرية.
الغرض من هذه الاستراتيجية هو تقليل فعالية حاملات الطائرات كأدوات أساسية للضربات الجوية والردع البحري في مناطق ذات تهديدات عالية.
تمكن الجيش اليمني من تطبيق هذه الاستراتيجية في مضيق باب المندب وخليج عدن و البحر الأحمر والعربي حيث أصبحت حاملات الطائرات عرضة للهجوم من أسلحة متطورة جعلها لا تجرؤ على الاقتراب من هذه المناطق
تنفيذ هذه الاستراتيجية من قبل الجيش اليمني ضد حاملات الطائرات الأمريكية أظهرت تطورًا هائلا في الأنظمة الصاروخية والطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة التي تمتلكها اليمن، بما في ذلك الصواريخ الباليستية بعيدة المدى القادرة على ضرب اهداف متحركة
لقد تمكّن اليمن من تهديد حرية حركة هذه الحاملات في البحرين الأحمر والعربي مما يعكس القدرة على إعاقة تحركات القوات البحرية الكبرى في المناطق الاستراتيجية.
في حالة حاملة الطائرات “ترومان”، لم تقتصر العمليات على تهديد وجودها في المياه الإقليمية اليمنية فحسب، بل امتدت الى حيث تتواجد في منطقة بين جدة وينبع لتجبرها على الهروب مما يدل على عجز الحاملة عن البقاء في المنطقة كونها تحت التهديد المستمر.
ما حدث مع البحرية الامريكية مؤخرا يعكس تحولا في أساليب المواجهات العسكرية البحرية، حيث تصبح الأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا الدفاعية هي العامل الحاسم في تحديد التفوق العسكري.
هذه التطورات أدت إلى تحول حاملات الطائرات من أدوات استعراض للقوة إلى عبء استراتيجي، ما يضعف من فائدتها في مواجهة التهديدات المتزايدة من أسلحة يمكن تطويرها بتكلفة منخفضة نسبيًا.
ان ما حدث للبحرية الامريكية في البحر الأحمر والعربي من قبل الجيش اليمني فرض عليها التفكير في استراتيجيات بديلة، والتعاقد مع شركات أسلحة لتطوير أسلحة دفاعية لطائرات بدون طيار، والأسلحة فائقة السرعة، واسلحة الطاقة الموجهة وجعلها تتخبط بين اقتراحات الخبراء في تطوير أنظمة دفاعية. اقل كلفة فضلاً عن الحاجة لإعادة تقييم دور حاملات الطائرات في المستقبل والتركيز على تقنيات أكثر مرونة وفاعلية للتعامل مع هذه التحديات غير ان كل تلك المقترحات تتطلب وقت للتصنيع اقله خمس سنوات هذا ان نجحت
في 18 يناير2025 أعلنت البحرية الأمريكية أنها قامت بتحديث سفينة القتال الساحلية من فئة فريدوم يو إس إس إنديانابوليس لإطلاق صواريخ AGM-114L Longbow Hellfire الموجهة بالرادار لاستخدامها في أنظمة مكافحة الطائرات بدون طيار.
ووفقا لموقع (تاسك آند بيربوس) العسكري فان هذا القرار يأتي على وجه التحديد بعد أشهر من القتال بين القوات الأمريكية والحوثية في المياه المحيطة باليمن، بما في ذلك البحر الأحمر ويضيف الموقع منذ أشهركان الجيش الأمريكي يبحث عن طرق أكثر فعالية من حيث التكلفة والكفاءة للتعامل مع الخطر المتزايد للطائرات بدون طيار المعادية منذ اندلاع الصراع في الشرق الأوسط، شدد الجيش الأميركي على الحاجة إلى تكنولوجيا أرخص لمكافحة الطائرات بدون طيار.
يرى خبراء عسكريون أن نجاح هذه السفن في مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية يبقى موضوعا معقدا. فصواريخ Hellfire كانت تستخدم سابقًا ضد أهداف أكبر مثل المركبات الأرضية، ولكن استخدامها ضد الطائرات الصغيرة والسريعة يتطلب تكييفا تقنيا متقدما، حيث من المحتمل أن تحتاج هذه الصواريخ إلى تحسينات في أنظمة التوجيه والاستشعار لتكون فعالة ضد الطائرات بدون طيار. علاوة على ذلك، إن تكلفة استخدام هذه الصواريخ بشكل مستمر ضد أهداف صغيرة قد تكون غير فعالة اقتصاديًا مقارنة بالأساليب الدفاعية الأخرى مثل أنظمة الليزر أو الذخائر المتسكعة، التي تتمتع بقدرة أكبر على التعامل مع الهجمات المتعددة بتكلفة أقل.
غير ان الطائرات المسيرة التي يستخدمها الجيش اليمني ليست مجرد طائرات بسيطة أو تقليدية، بل هي طائرات متطورة تتضمن أنظمة توجيه عالية الدقة، وأحيانًا تكون مجهزة بتقنيات التشويش التي تجعلها أكثر صعوبة في الكشف أو الاستهداف بواسطة الأنظمة الدفاعية التقليدية. هذه الطائرات قادرة على الطيران لمسافات طويلة، وتحقيق أهداف دقيقة على السفن البحرية، ما يجعل السفن الأمريكية، رغم قدرتها على إطلاق صواريخ متقدمة مثل Hellfire، عرضة لهجمات قد تكون صعبة التصدي لها في بعض الحالات.الا ان النجاح النهائي لهذا التحديث سيعتمد على مدى فعالية هذه الصواريخ في ميدان المعركة
وبهدف جعل السفن الحربية الأمريكية أكثر فعالية في مواجهة التحديات المتزايدة في الحروب الحديثة عرضت شركة لوكهيد مارتن في مؤتمر خلال الشهر الحالي يناير 2025 نموذجًا مبتكرا لمدمرة الصواريخ الموجهة من فئة Arleigh Burke، حيث تم تزويدها بتقنيات جديدة تشمل خلايا إطلاق عمودية إضافية وصواريخ AGM-179 JAGM متعددة الأدوار.
حيث تحل صواريخ JAGM محل RGM-84 Harpoon القديمة، التي كانت مخصصة فقط لمهام مكافحة السفن، وبحسب الشركة توفر هذه الصواريخ مرونة أكبر في مكافحة الطائرات بدون طيار، وكذلك دعم النيران البحرية.
من الواضح أن التطورات التي أدخلتها لوكهيد مارتن على المدمرات من فئة “Arleigh Burke” مع إضافة صواريخ AGM-179 JAGM وخلايا الإطلاق العمودية ستعزز من قدرة البحرية الأمريكية في مواجهة تهديدات متنوعة. ومع ذلك، فيما يتعلق بالقدرة على مواجهة هجمات الجيش اليمني بالطائرات المسيرة المتطورة، يجب أن نأخذ في الاعتبار عدة عوامل.
أولا قدرة صواريخ JAGM على مواجهة الطائرات المسيرة: رغم أن صواريخ JAGM توفر مرونة كبيرة في مواجهة الطائرات المسيرة، إلا أن تكتيكات الجيش اليمني في استخدام الطائرات المسيرة تتسم بالتنوع، حيث يعتمد على الهجمات المتزامنة أو الهجمات على نقاط ضعيفة في الدفاعات البحرية. كما أن الطائرات المسيرة اليمنية تتنوع في حجمها وقدرتها على الطيران على ارتفاعات منخفضة، ما قد يتطلب قدرات تكنولوجية إضافية لمواجهة مثل هذه التهديدات.
المواجهات التي خاضتها البحرية الامريكية مع الجيش اليمني طوال عام في البحر الأحمر والعربي اثارت جدلا واسعا في أوساط الجنرالات والخبراء العسكريين الأمريكيين الذين يذهب بعضهم للدفاع عن حاملات الطائرات وان عصرها لم ينتهي واخرون يذهبون للعكس من ذلك
ورغم تأكيد البحرية الامريكية على أهمية حاملات الطائرات في العمليات البحرية، الا ان التطورات الأخيرة في الحروب البحرية التي تستخدم الأنظمة المضادة للسفن و الطائرات المسيرة قد جعلت البعض يتساءل عن مدى فاعلية هذه السفن العملاقة في مواجهة التهديدات المتزايدة.
المدافعون عن حاملات الطائرات يعتبرون أنها تظل الأداة الأكثر فاعلية في تنفيذ العمليات القتالية البحرية، حيث توفر قدرة على الانتشار السريع و الضربات الجوية المستدامة في مناطق حساسة مثل البحر الأحمر والبحر العربي.
في مقال للأدميرال إس جيه بابارو نشر في مجلة المعهد الأمريكي البحري في يوليو 2024 دافع عن أهمية حاملات الطائرات في القوة العسكرية الأمريكية، مشيرًا إلى قدرتها على تنفيذ 125 طلعة هجومية يوميًا، ومرونتها في المناورة بعيدًا عن الاستهداف. وأكد ان تطور أنظمة الدفاع الخاصة بها، يعزز صمودها في بيئات قتال معقدة، ودورها في الردع السريع للأزمات العالمية ودعم الحلفاء مؤكدًا أنها تظل عنصرًا حيويًا وغير قابل للاستغناء في الاستراتيجية العسكرية الحديثة.
وأشار بابارو إلى إمكانية استغلال الطاقة الهائلة التي توفرها المفاعلات النووية لتطوير أسلحة موجهة بالطاقة، مثل الليزر، وتحسين استخدام المساحة الكبيرة لتخزين طائرات وأسلحة أكثر تقدما
لكن من ناحية أخرى، هناك آراء معاكسة تؤكد أن عصر حاملات الطائرات قد بدأ في التراجع بسبب ظهور التهديدات المتطورة التي يمكن أن تستهدف هذه السفن العملاقة. تزايد استخدام الطائرات المسيرة و الصواريخ بعيدة المدى قد شكل تهديدًا حقيقيًا على حاملات الطائرات، خاصة عندما تكون في مناطق قريبة من ساحات القتال إضافة الى استراتيجية منع الوصول والدخول التي تعطل مهام الحاملات ولعل المواجهات البحرية مع الجيش اليمني كانت خير مثال على ذلك، حيث استطاع الحوثيون استخدام الصواريخ المضادة للسفن والطائرات المسيرة لاستهداف سفن البحرية الأمريكية، ما أثار تساؤلات حول قدرة حاملات الطائرات على التكيف مع هذه التحديات.
في يناير 2025 نشر الكاتب جوزيف رايلي مقالا في مجلة انترشنال انترست قال فيه أن حاملة الطائرات لم تعد الخيار الأنسب للعمل في الخطوط الأمامية بسبب التطورات التكنولوجية الهائلة في أنظمة الأسلحة الهجومية، مثل الصواريخ الأسرع من الصوت وأنظمة منع الوصول ومنع الدخول (A2/AD). هذه التطورات تجعل استخدام الحاملات في تلك البيئات محفوفًا بالمخاطر. وبدلًا من ذلك، يقترح أن يتم إعادة تعريف دور الحاملة لتصبح أداة دعم استراتيجي في العمليات البحرية خارج مسارح الصراع المباشر. يمكن لحاملات الطائرات أن تلعب دورًا حيويًا في تقديم الدعم اللوجستي، وتنفيذ عمليات استراتيجية تستهدف تقويض قدرات الخصوم دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة.
من بين المقترحات التي يقدمها الكاتب هو التأقلم مع التهديدات الحديثة التي تمثلها أنظمة A2/AD. بدلاً من العمل في مناطق الخطوط الأمامية يقترح الكاتب على حاملات الطائرات أن تعتمد على استراتيجيات جديدة تتيح لها البقاء خارج نطاق التهديد المباشر، مع الاحتفاظ بقدرتها على توجيه القوة إلى المناطق المستهدفة ولكن هذه الاستراتيجية ثبت فشلها وقد طبقتها حاملة الطائرات ترومان
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، رسخت البحرية الأمريكية نفسها كرمز للهيمنة العسكرية العالمية، مستندةً إلى تقنيات متقدمة، حاملات طائرات ضخمة، وقوة نارية هائلة. لكنها واجهت واقعا صادما وغير متوقع. في منطقة البحر الأحمر، واجهت البحرية الأمريكية تحديا غير مسبوق من قوات يمنية صاعدة، أظهر قدرات متطورة فاقت كل التوقعات وأحدثت حالة من الإرباك والتخبط داخل أروقة القيادة البحرية الأمريكية.
على مدى عقدين صبت البحرية الأمريكية مواردها واستراتيجياتها لمواجهة خصوم مثل الصين، متوقعة صراعا في المحيط الهادئ مع قوة بحرية منظمة ومجهزة بأحدث التقنيات. غير أن ما حدث في البحر الأحمر كان مختلفا تماما، حيث اصطدمت بأعداء لا يمتلكون نفس القدرات المادية والتنظيمية التي تملكها الصين، ولكنهم نجحوا في تطبيق استراتيجيات وتقنيات عسكرية جعلت السفن الأمريكية عرضة للتهديدات بشكل غير مسبوق.
الهجمات اليمنية، التي اعتمدت على الطائرات المسيرة المتطورة والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، أربكت حاملات الطائرات الأمريكية وأجبرتها على الانسحاب من مناطق استراتيجية، وهو مشهد لم تشهده البحرية الأمريكية منذ معاركها الكبرى في المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية
يقول الأدميرال مايكل جيلداي، رئيس هيئة الأركان البحرية الأمريكية، : “لقد كانت تجربة البحر الأحمر بمثابة جرس إنذار حقيقي. على الرغم من أن أعداءنا لا يمتلكون نفس القدرات التقليدية التي نواجهها في مناطق أخرى مثل المحيط الهادئ، إلا أن التطور في استراتيجياتهم واستخدامهم المبتكر للأسلحة يشير إلى أن التهديدات المستقبلية ستكون أكثر تعقيدًا. نحن بحاجة إلى مواكبة هذا التغير بسرعة.”
بينما الأدميرال تشارلز ريتشارد، قائد القيادة الاستراتيجية الأمريكية، علق قائلاً: “الهجوم على حاملات الطائرات في البحر الأحمر لم يكن مجرد اختبار لقدراتنا العسكرية، بل كان اختبارًا لاستراتيجياتنا بأكملها. نحن بحاجة إلى تعديل نهجنا لمواجهة التهديدات غير التقليدية التي تتضمن أسلحة ذات تكلفة منخفضة ولكن تأثير كبير. إن تطبيق تقنيات جديدة مثل الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة يغير قواعد اللعبة بشكل جذري.”
لقد كانت حاملة الطائرات “ترومان”، ومعها سفن أخرى مثل “إيزنهاور” و”روزفلت”، ضحية لهذه التهديدات، حيث تم إبعادها عن المنطقة بمسافات تجاوزت الألف كيلومتر.
المفاجأة الكبرى تكمن في أن هذه الهجمات لم تأتِ من قوة كبرى مثل الصين أو روسيا، بل من قوة ناشئة تفتقر إلى الموارد الهائلة والتقنيات المعقدة التي تمتلكها تلك الدول. ومع ذلك، استطاعت القوات اليمنية، من خلال استخدام أسلحة منخفضة التكلفة وفعالة، تحقيق ما لم تتمكن قوى كبرى من تحقيقه في مواجهة البحرية الأمريكية.
ما يزيد من حرج الموقف الأمريكي هو أن البحرية الأمريكية لم تكن مستعدة للتعامل مع هذا النوع من التهديدات
الاستراتيجية الأمريكية كانت تستند إلى مواجهة قوة تقليدية كبرى، بينما أظهرت المواجهة في البحر الأحمر أن التهديدات غير التقليدية يمكن أن تكون أكثر تعقيدًا وإرباكًا كما ان الإنفاق العسكري الأمريكي الهائل لم يُترجم إلى قدرة على مواجهة استراتيجيات ذكية ومبتكرة من خصم يمني أثبت أنه يمتلك القدرة على توظيف موارده المحدودة بشكل فعال.
هذه الأحداث تمثل لحظة فارقة للبحرية الأمريكية، التي أصبحت مضطرة لإعادة النظر في استراتيجياتها وتقنياتها. من الواضح أن الاعتماد على حاملات الطائرات الضخمة والقوة النارية التقليدية لم يعد كافيا في مواجهة تهديدات حديثة وغير متوقعة.
لقد كشفت المواجهات الأخيرة بين البحرية الأمريكية والجيش اليمني عن هشاشة غير متوقعة في القوة البحرية الأمريكية، التي لطالما كانت تُعتبر رمزا للقوة والهيبة العسكرية العالمية فالتحديات التي واجهتها حاملات الطائرات الأمريكية، التي كانت في السابق تُعد أداة لا غنى عنها في العمليات البحرية، أظهرت بوضوح تراجع فعاليتها أمام الأسلحة الحديثة والتكنولوجيا الدفاعية المتقدمة التي أصبحت في متناول دول مثل اليمن. هذا الخلل يكشف عن فجوة كبيرة في استراتيجية البحرية الأمريكية، ويضعها في موقف محرج أمام القوى البحرية الكبرى مثل الصين وروسيا، اللتين تراقبان عن كثب هذه الثغرات وتستعدان للاستفادة منها.
إن المواجهة مع الجيش اليمني لم تكن مجرد اختبار لقدرات البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، بل كانت بمثابة إنذار كبير لها بشأن التحديات التي ستواجهها في حال تصاعدت التوترات مع أساطيل بحرية متفوقة مثل الأسطول الصيني. فقد ثبت أن الولايات المتحدة لم تستطع الحفاظ على الهيمنة البحرية في منطقة استراتيجية، ما يعكس تراجعًا ملحوظًا في قدرتها على التعامل مع تهديدات جديدة وفعالة.
وفي الوقت الذي كانت فيه البحرية الأمريكية تسعى إلى فرض سيطرتها البحرية، وجدت نفسها في موقف عاجز أمام تحديات لم تكن تتوقعها. ومع تفوق خصومها في تطوير أنظمة الأسلحة الحديثة، بات من الواضح أن القوة البحرية الأمريكية تحتاج إلى إعادة تقييم شاملة لاستراتيجياتها وتقنياتها كما أن استمرار الاعتماد على حاملات الطائرات في ظل هذه التهديدات يظهر ضعفا في الرؤية الاستراتيجية ويجعلها عرضة لتداعيات أكبر في حال وقوع مواجهة مع أساطيل بحرية أخرى تسير بخطى واثقة نحو مستقبل أكثر تفوقًا.
كامل المعمري- صحفي متخصص في الشأن العسكري
هل أصبحت حاملات الطائرات الأمريكية عبئا استراتيجيا في مواجهة التحديات الحديثة؟
كامل المعمري
منذ بداية المواجهات بين البحرية الأمريكية والجيش اليمني ، شهدنا تحولا ملحوظا في ميزان القوى العسكرية البحرية، مما أثار العديد من التساؤلات حول مستقبل حاملات الطائرات ودورها في الحروب… pic.twitter.com/bmfqy9l1y3
— kamel maamri (@maamrikm) January 22, 2025