من وحي خطاب السيد القائد: تحليلٌ لثلاثية الأبعاد السياسية والتعبوية والدينية

 في خطابٍ تاريخي ألقاه السيد القائد، جدّدت كلماته التأكيد على المواقف الثابتة لليمن ومحور الجهاد والمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي والصهيونية العالمية، محملاً الأنظمة العربية المتواطئة مسؤولية الخيانة تجاه قضايا الأمّة.

خطاب السيد القائد  عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- أمس الخميس، لم يكن مجرد عرض للمواقف السياسية أو الإدانة للعدوان، بل كان دعوة عميقة للتحرك الفردي والجمعي، الشعبي والجماهيري على مختلف الأصعدة.

وتمكن السيد القائد في هذا الخطاب أن يوحد البعد السياسي والتعبوي والديني في رؤيةٍ واحدةٍ للمعركة؛ ما يجعلها قضية مستمرة لا تتوقف عند حدود الجغرافيا أو السياسة أو حتى الانتماء.

البُعد الديني:

البُعد الديني في الخطاب، كان هو الركيزة الأساسية التي انطلقت منها الدعوات للتحرك في طريق الجهاد، واستخدم السيد القائد المفاهيم القرآنية بشكلٍ متواصل، ليُبرهن على أن نصرة فلسطين ليست مجرد موقف سياسي، بل فريضة دينية، وواجب شرعي على كلّ مسلم أن يفي به.

وقدم السيد القائد خطابه كواجبٍ ديني وإنساني وسياسي، ما أعطاهُ بُعدًا جامعًا لكل فئات الأمّة، إذ تمثل القضية الفلسطينية جوهر الخطاب؛ باعتبارها القضية المركزية التي تُعبّر عن مظلومية مستمرة، وعدوان واضح، وصراع ممتد بين الحق والباطل.

وشدّد على أن مفهوم الجهاد في سبيل الله، ولا سيما في هذه المرحلة، هو  السبيل الوحيد للأمة، مؤكدًا أن القتال ضد العدوّ الإسرائيلي هو جزء من واجب إيماني لا يمكن التنازل عنه، واستند إلى الآيات القرآنية التي تحث على مقاومة الظلم والعدوان، وأن الأمّة إذا تخلت عن هذا الواجب فقد خانت الله ورسوله.

خطابٌ ديني تعبوي جامع، يعيد تأكيد مركزية فلسطين، ويضعها ضمن مشروع شامل لمواجهة الهيمنة الأمريكية والصهيونية، ويدمج بين الوعي العقائدي والسياسي، ويركّز على أن التحرك الشعبي الشامل هو السبيل لإحداث فارقٍ فعلي في ميدان المواجهة.

البُعد السياسي:

في بعده السياسي، يُرسل القائد رسالة واضحة بأن اليمن ليست خارج معادلة الردع، بل في صلبها، خصوصًا في دعم غزة، مؤكدًا على تماسك وتنسيق محور المقاومة من اليمن إلى لبنان وسوريا والعراق وإيران، في مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي.

ويستنهض السيد القائد الوعي الإسلامي الجامع، متجاوزًا كلّ الحسابات السياسية والحساسيات المذهبية أو الوطنية الضيقة، وكاشفًا عن معادلةٍ جديدةٍ في الصراع، مؤكدًا أن الحرب التي تشنها آلة الحرب والدمار الصهيونية على غزة ليست حربًا مع فلسطين فقط، بل مع الأمّة بأسرها.

ويقدم السيد القائد، العدوّ الإسرائيلي باعتباره العدوّ الحقيقي للأمة، ليس فقط بصفته مغتصبًا لأرض فلسطين، بل كرمزٍ للمشروع الشيطاني الصهيوني الأمريكي والغربي.

ويربط الخطاب بين الدعم الأمريكي غير المحدود للكيان الصهيوني، وبين الجرائم المرتكبة في غزة واليمن ولبنان وسوريا والعراق، ما يعزز نظرية “التحالف الشيطاني” ضد الشعوب العربية والإسلامية الحرة.

كما أن الدور الذي لعبهُ النظام الدولي في تواطؤه مع الاحتلال كان أحد النقاط التي ركز عليها، حيثُ أكّد السيد القائد على حقيقة أن المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، باتت أدوات تابعة للاحتلال، ولا تقوم بدورها في حماية الأبرياء.

ويدعو السيد القائد إلى التحرك الشامل على المستوى الشعبي والدبلوماسي، مؤكدًا على ضرورة الاستمرار في تصعيد المقاومة العسكرية والسياسية، وفضح الأنظمة العربية التي أصبحت في خانة الخيانة بعد تطبيعها مع الاحتلال.

البُعد التعبوي:

خطاب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، يتصف بنَفَس تعبوي، ديني، وثوري، مزج بين لغة العقيدة (العدوّ الشيطاني، الغدة السرطانية، المظلومية، النصرة)، ولغة السياسة الواقعية (المعادلات العسكرية، التحالفات، الوقائع الميدانية).

ويتميز الخطاب بالتحفيز والمكاشفة المباشرة للشعب اليمني وأحرار الأمّة؛ فبالإضافة إلى الدعوة للمشاركة في المسيرات والفعاليات، كان السيد القائد يهدف إلى إشعال الحماسة والتعبئة الدائمة، سواء من خلال الأنشطة الإعلامية أو التحرك الشعبي الضاغط في الساحات والميادين المختلفة.

خطابٌ تحدث بشكلٍ واضح عن دور اليمن في معركة الأمّة، مؤكدًا على أن الشعب اليمني هو جزء لا يتجزأ من هذه المعركة، وله دور أساسي في دعم القضية الفلسطينية، وفي مجريات معركة طوفان الأقصى الملحمية، وحرب الإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة.

كما يعبر عن تضحيات الشعب اليمني في مواجهة العدوان، مؤكدًا أن أية خطوة نحو تحرير فلسطين هي في الوقت ذاته خطوة نحو تحرير الأمّة من كلّ قيود التبعية والخنوع والاستسلام.

ويجدد السيد القائد الدعوة الصريحة لكل فئات الأمّة للتحرك إعلاميًّا، شعبيًّا، اقتصاديًّا عبر تفعيل جهاد المقاطعة، وذلك تحريضًا ووقوفًا، في وجه حرب الإبادة الجماعية الصهيونية على غزة، والعدوان على البلدان العربية، وعدم الاكتفاء بالمواقف المتفرجة.

خطاب السيد القائد كان بمثابة خارطة طريق لتحرك جماهيري شامل وجهاد ومقاومة دائمة، ليس فقط ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل ضد كلّ القوى التي تسعى إلى تدمير الأمّة.

خطابٌ يتميز بالوضوح في تحديد الأعداء والأصدقاء، وبالقدرة على تحفيز الشعوب للمشاركة في معركة الأمّة العادلة، ومن هنا جاءت أهميته في تعزيز الوعي والإدراك، وإعادة بناء المواقف والتصورات حول دور كلّ فردٍ منّا في هذه المعركة المصيرية.

المصدر: المسيرة نت

قد يعجبك ايضا