معركة البحر الأحمر تغري خصوم واشنطن: بكين تستلهم العِبر
أدى توافق بكين مع صنعاء إلى استمرار عبور سفن الصين من مضيق باب المندب، والإبقاء على طريق تجارتها ونقل بضائعها وموارد الطاقة الخاصة بها مفتوحاً، خلافاً للولايات المتحدة التي فشلت في تأمين تجارة الغرب المشارك في الحرب على اليمن، أو في رفع الحصار البحري عن الكيان الإسرائيلي. ولكون الصين صاحبة تجارة ضخمة، فهي حافظت، بسياسة الحياد التي انتهجتها، على مصلحتها في استمرار تدفق التجارة عبر هذا الممر الحيوي للتجارة العالمية، حيث لا يمكن إغفال ما لها من استثمارات في منطقة البحر الأحمر، فضلاً عن أهمية هذا البحر والمنطقة كلّها في إطار مبادرة «الحزام والطريق».
في المقابل، لم يرُق واشنطن استمرار تدفّق التجارة الصينية بسلاسة في البحر الأحمر، وهي التي أنفقت، وفق تقرير لمجلة «الإيكونوميست»، ما يقارب 5 مليارات دولار في محاولة لحماية الشحن. وبحسب المجلة، انخفضت أحجام الشحن في المضيق بمقدار الثلثين، وتغيّرت الجنسية النهائية للسفن، وأُعيد رسم طرق الحاويات، وبلغت التكاليف على الاقتصاد العالمي نحو 200 مليار دولار في عام 2024. وعلى رغم أن عدد السفن التي تمرّ عبر المضيق انخفض إلى النصف، فقد زاد عدد السفن الصينية العابرة، والتي تشكّل الآن خُمس السفن البالغ عددها 800 – 900 لا تزال تمرّ عبر البحر الأحمر كل شهر، طبقاً لتحليل بيانات الأقمار الصناعية وسجلات الملكية.
ولذلك، حاولت واشنطن، طوال فترة الأزمة، الضغط على بكين، وحثّها على المشاركة في حماية الملاحة في البحر الأحمر. وفيما صوّتت الصين في مجلس الأمن لمصلحة قرارات تدعم وجهة نظر الولايات المتحدة، إلا أنها استمرت على وضوحها في بيان العلاقة بين ما يجري في غزة وما يجري في البحر الأحمر، وأن ما ينهي الأزمة هو التوصل إلى وقف إطلاق النار في القطاع. وإزاء ما تسميه التقاعس الصيني، هدّدت الولايات المتحدة بالعمل بشكل مشترك مع إسرائيل لقطع شبكات التجارة الصينية هذه عن النظام المالي العالمي. لكن بكين لم تخضع للضغوط الديبلوماسية، وتجاهلت الطلبات الأميركية بفرض عقوبات على صنعاء؛ ولذا، فرضت واشنطن أخيراً عقوبات على شخصيات من حركة «أنصار الله»، بتهمة القيام بـ«تجارة نشطة» مع بكين، كما على بعض الشركات الصينية وصيني واحد، بتهمة تزويد اليمن بالتكنولوجيا اللازمة للصواريخ والطائرات بدون طيار، ومنحه القدرة على الوصول إلى التمويل الدولي، وتغذية جهوده الحربية ضد إسرائيل، وقد لوّحت بمزيد من العقوبات. وعلى جري عادتها في ربط كلّ ما يصدر عن اليمن بإيران، فإن التهمة الأميركية جاهزة في هذا السياق، بأن طهران رعت اتفاقاً صينياً – يمنياً لحماية سفن بكين في البحر الأحمر.
حملة أميركية – إسرائيلية تتهم بكين بتزويد صنعاء بأسلحة متطورة
أكثر من ذلك، اتهمت وسائل إعلام إسرائيلية، الصين، بتزويد «أنصار الله» بأسلحة متطورة، مقابل ضمانات بالمرور الآمن للسفن التجارية الصينية عبر البحر الأحمر، فيما تتحدث الاستخبارات الأميركية عن سلسلة توريد أنشأها اليمن في الصين لشراء مكونات الصواريخ والطائرات من دون طيار، وعن زيارات لمسؤولين من حكومة صنعاء في الصيف والخريف الماضيين إلى الصين، حيث عقدوا اجتماعات مع المسؤولين هناك. وصاغت وسائل إعلام إسرائيلية المزاعم المشار إليها بطريقة تحرّض دول الخليج على اليمن، بدعوى أن قادة «أنصار الله» يخطّطون لتصنيع مئات الصواريخ المجنّحة القادرة على ضرب دول الخليج، باستخدام المكونات الصينية نفسها. كما تحدثت عن أن واشنطن نقلت هذه المعلومات مراراً وتكراراً إلى بكين منذ أيلول الماضي، بما في ذلك قوائم مفصّلة للشركات الصينية المشاركة في آلية التسليح تلك.
على أن الإخفاق الأميركي لا يقتصر على جانب واحد من الصراع؛ إذ ظهر خلال الأسبوع الماضي أن سفناً حربية تابعة للبحرية الأميركية تضطرّ إلى مغادرة البحر الأحمر لأسابيع، لإعادة التزود بالصواريخ، ما أثار مخاوف من تداعيات ذلك على الحرب مع الصين إن وقعت. وقال وزير البحرية الأمركية، كارلوس ديل تورو، الأربعاء الماضي، في المؤتمر السنوي لـ«جمعية البحرية السطحية»، إن المدمّرات والطرادات التابعة للبحرية الأميركية، والتي تحتاج إلى مغادرة ساحة المعركة تحت وطأة الصواريخ والطائرات من دون طيار التي يطلقها «الحوثيون» في البحر الأحمر، لإعادة تحميل خلايا صواريخها العمودية من طراز «أم كيو- 41»، تتسبّب في إيجاد فجوة و«تحدّ حقيقي». وأضاف أن «هذا التحدي لا يقتصر على حملة البحر الأحمر فحسب، بل يمتد إلى حرب مستقبلية مع الصين عبر مساحة غرب المحيط الهادئ الشاسعة»، في حال غزت بكين تايوان أو تصاعدت التوترات في بحر الصين الجنوبي.
وفي مثل هذا الصراع، بحسب ما أجمع عليه الضباط والقادة في المؤتمر، من المرجّح أن تقطع الصين الطرق المؤدية إلى القواعد البحرية في اليابان، ما سيجبر السفن الأميركية على إعادة التسلّح في جزيرة غوام أو مواقع أبعد من بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي. كما رجحوا أن تصبح مراكز إعادة التحميل على الشاطئ أهدافاً رئيسيّة للعدو أيضاً، وأن المدمّرة أو الطراد البحري، قد يُترَك غير محمي جزئياً على الأقل، عند عبور منطقة حرب بحرية فيها خلايا صواريخ. وأكد الحاضرون في المؤتمر حقيقة مفادها أن حرباً بحرية ضد الصين يشارك فيها أسطول أميركي منتشر عبر غرب المحيط الهادئ، سوف تتطلّب القدرة على إعادة التحميل في البحر. وبحسب ديل تورو، فإن نظام الاختبار “ترام” المخصّص للتزويد بالذخيرة في البحر في طريقه إلى الانتشار في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام.