صنعاء ترصد «تلاعباً» سعودياً: الرياض نحو الالتفاف على «السلام» مجدداً
بعكس تظاهر السعودية بحرصها على إحلال السلام في اليمن، ومحاولاتها الخروج من الأزمة اليمنية بأقل خسائر ممكنة، إلا أنها لا تزال تمعن في ضرب التفاهمات السابقة التي أبرمتها مع صنعاء، بفعل تورّطها في ممارسات عدائية مع دول أجنبية كأميركا وبريطانيا ضد اليمن، ومساعيها المكشوفة للتأثير على جبهة الإسناد اليمنية لقطاع غزة. ويتجلى ذلك في استضافتها نحو ألفَي جندي أميركي على حدودها الجنوبية، وسماحها بنصب بطاريات «باتريوت» وأجهزة تجسّس في المناطق الحدودية مع محافظة صعدة اليمنية، فضلاً عن مشاركتها في أكثر من محاولة اختراق استخباراتي لليمن، وضلوعها في تمويل وتجنيد وتدريب خلايا تجسّس تعمل لمصلحة الكيان الإسرائيلي، ومنحها الموالين لها في المحافظات الجنوبية الضوء الأخضر للقيام بترتيبات لتصعيد محتمل ضد حركة «أنصار الله».
ورصدت حكومة صنعاء، خلال الأسابيع الماضية، أكثر من مؤشر إلى أن الرياض تدفع نحو ترحيل الأزمة اليمنية من فترة إلى أخرى، وتنتظر تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، منصبه، على الرغم من إدراكها أنه سيعاود ابتزازها تحت ذريعة الحرب في اليمن، إن كان من خلال إجبارها على إبرام المزيد من صفقات السلاح، أو تحميلها تكاليف الطلعات الجوية التي قد تنفّذها الطائرات الأميركية في اليمن. وكانت السعودية قد أكدت، في تموز الفائت، التزامها بالمضيّ في تنفيذ خطوات بناء ثقة مع اليمن من دون الخضوع للضغوط الأميركية، إلا أنها سرعان ما تراجعت عن أحد أهم بنود اتفاق التهدئة الاقتصادي الموقّع بينها وبين صنعاء نزولاً عند رغبة واشنطن، ودفعت بأدوات محلية موالية لها إلى إعاقة تنفيذ البند الخاص بإعادة تصدير الخام من حقول النفط في محافظات مأرب وشبوة وحضرموت. وبإيعاز سعودي مكشوف، قامت قبائل حضرموت، وقتذاك، بالسيطرة على منابع النفط، والتحكم بمصادر الثروة تحت شعار «نفط حضرموت لأبنائها».
وعلى الرغم من ذلك، عاودت السعودية التظاهر بحرصها على السلام في تشرين الأول الفائت، وسلّمت الأطراف الموالية لها نسخة من «خريطة الطريق» الأممية لمناقشة بعض البنود التي تم تأجيلها قبل أكثر من عام. وفي محاولة منها لإعماء صنعاء عن الترتيبات التي تجري في الرياض لتفجير الأوضاع في اليمن، استدعت المملكة رئيس «المجلس الرئاسي» وأعضاءه في منتصف كانون الأول الماضي، وألزمتهم بالموافقة على «خريطة الطريق»، وتراجعت عن عقد جلسة للبرلمان الموالي لها في عدن، ثم توقّف هذا المسار أيضاً لأسباب غامضة، لتعود الرياض إلى مربع المراوحة السياسية والترتيب لتصعيد عسكري من تحت الستار. إلا أن صنعاء، التي لم تكن متحمسة للحراك الديبلوماسي الذي جرى في الرياض بشأن السلام الشهر الماضي، كانت لها حساباتها في ظل المتغيّرات الإقليمية، وسعت إلى تعزيز الجبهة الداخلية وتحصينها من الاختراق، ابتداءً من صرف نصف مرتّب للموظفين بشكل شهري اعتباراً من الجاري، وتقديم معالجات خاصة بصغار المودعين في البنوك اليمنية، وكذلك الاستعداد لمواجهة عسكرية محلية مع القوى الموالية للتحالف السعودي ـ الإماراتي، والتي استفزّت اليمنيين بتحريضها الكيان الإسرائيلي على ضرب اليمن، واستهداف البنى التحتية فيه بذريعة «تدمير اقتصاد الحوثيين».
وعادت حالة التوتر بين صنعاء والرياض أخيراً إلى الواجهة، على خلفية ما كشفته الأجهزة الأمنية من دور بارز للاستخبارات السعودية في تجنيد وتدريب وتمويل شبكة تجسّس بشراكة بريطانية، كانت تهدف من خلالها إلى تقديم معلومات استخباراتية للعدوَّين الأميركي والإسرائيلي عن مواقع الأسلحة وقادة حركة «أنصار الله». ووفقاً لمقاطع نشرها «مركز الإعلام الأمني» التابع لوزارة الداخلية في صنعاء، أول من أمس، اعترف أعضاء الخلية التجسّسية، التي أُلقيَ القبض عليها أواخر الشهر الماضي، بأن السعودية هي التي قادت العملية، وبأن الرياض هي مقرّ غرفة العمليات التي ارتبط بها أعضاء الخلية.