صامدون… منتصرون
صامدون… منتصرون
خلال شهرين و3 أيام، من الحرب الإسرائيلية الشاملة على لبنان، فعل العدو كل ما أمكنه فعله، تنتهي الحرب اليوم، رسمياً، باتفاق هو في الحقيقة نسخة مكرّرة عن ما انتهت إليه حرب تموز 2006، أي القرار الدولي رقم 1701، وكل الإجراءات التي تتعلّق بتطبيق الاتفاق، منوطة حصراً بالجيش اللبناني، بعيداً عن أي قوات أجنبية أو غير ذلك.
ما يجب أن يعلمه اللبنانيون اليوم، قبل أن تضيع الحقوق غداً في زواريب السياسة، أن العدو الإسرائيلي هو من أرسل – بداية – الأميركيين الى بيروت، طلباً للتفاوض. وكان المقترح التفاوضي الأول يهدف في الحقيقة إلى تطبيق القرار 1559، فأصبح مقترحاً يهدف الى تطبيق 1701، نتيجة لبطولة المقاومين في الميدان وثباتهم الأسطوري حقاً، ولإرادة سياسية صلبة، خاضت المفاوضات بقوة وحكمة، كانت بدايتها في حرص الرئيس نبيه بري، بالتنسيق مع قيادة المقاومة، وثقة بقدرتها على الصمود والتكيّف، بجعل سقف التفاوض هو القرار 1701، والانخراط بالمفاوضات على هذا الأساس. وبينما كان الحديث بداية عن «ترتيب جديد في الشرق الأوسط»، ثم تغيير الواقع السياسي في لبنان، انتهى الى مجرّد تطبيق القرار 1701.
ما يجب تثبيته اليوم، بينما يعود النازحون من أهل المقاومة، إلى قراهم ومدنهم في الضاحية الجنوبية، والجنوب والبقاع ومختلف المناطق، ليدفنوا شهداءهم، ويعمّروا بيوتهم، ويرفعوا رايات النصر الذي يعبّر عنه وجودهم وتمسّكهم في قراهم التي دمّرها العدو، هو أن المقاومة التي صمدت طوال الحرب، رغم الضربات القاسية والعميقة، باقية ومستمرّة
وقف إطلاق النّار: العدوّ لم يحقّق أهداف الحرب
وقف إطلاق النّار: العدوّ لم يحقّق أهداف الحرب بعد شهرين كاملين من الاعتداءات الإسرائيليّة وصمود المقاومين في الميدان وتعافي المقاومة الإسلاميّة من الضربات المتتالية التي لحقت بها، خرج اتفاق وقف إطلاق النّار إلى العلن، ودخل عند ساعات الفجر الأولى حيّز التنفيذ، بحسب ما أعلنه في الوقت نفسه الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومكتب رئيس كيان العدو بنيامين نتنياهو. وإذا كان نتنياهو أوحى بانتصارٍ وهمي بإشارته إلى ترك حريّة الحركة لجيشه في الدّاخل اللبناني، فإنّ نص الاتفاق جاء مغايراً لذلك، إذ نصّ مضمون الاتفاق على أنّ «هذه الالتزامات لا تلغي حق إسرائيل أو لبنان في ممارسة حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس». وهو ما أشار إليه النائب حسن فضل الله في حديث تلفزيوني بتشديده على أنّ «الورقة الأميركيّة الأساسيّة التي حملها (الموفد الأميركي) عاموس هوكشتين إلى لبنان أدخل عليها لبنان عدّة تعديلات، وعلى أساسها حصل الاتفاق على وقف الأعمال العدائيّة ونحن في مرحلتها الأولى». وعليه، تمكّنت الدولة اللبنانية من رفض ما كان يريده العدو على وقع صمود المقاومين في الميدان، وبدّلت في مضمون الاتفاق الذي كان يريد منه اتفاق هزيمة واستسلام. كما لم يتمكّن العدو من إخضاع لبنان في إدخال بريطانيا وألمانيا كعضوين في لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق، وإنّما أشارت المعلومات إلى أنّ اللجنة ستُشكّل من أميركا وفرنسا فقط بعد استبعاد بريطانيا وألمانيا.
كلّ ذلك يؤكّد أن الميدان أتاح للدولة اللبنانيّة إدخال التعديلات ورفض إرادة العدو بالاستسلام، أو حتى في تنفيذ أهدافه إن كان في تثبيت منطقة عازلة عند الحدود أو حتّى في القضاء على حزب الله، بعدما تأكّد أنّ هذا الأمر مستحيل. وهو ما أخرج العدو عن عقاله، وحاول الإيحاء على مدى السّاعات الماضية بأنّه كسب معركته في لبنان، بعد سلسلة هزائمه في الميدان، حيث لم يتمكّن من تسجيل أي إنجازٍ يُذكر، ليصل الأمر بجنوده إلى اجتياز بلدة دير ميماس الحدوديّة لالتقاط الصور عند نهر الليطاني. ولذلك، حاول تكثيف اعتداءاته في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة، ليضم إليها بيروت التي بقيت تتعرّض لاعتداءات متواصلة حتّى الفجر، وحيث نفّذ عدداً من الغارات على بربور (أكثر من مرة) والنويري والخندق الغميق وزقاق البلاط، وحتّى وصل عدوانه إلى قلب منطقة الحمرا للمرّة الأولى. كما أقدم ليلاً على قصف كل المعابر البرية بين لبنان وسوريا. في هذه الأثناء، صعدت المقاومة الاسلامية من استهدافاتها في اكثر من مستعمرة اسرائيلية وتحشدات للعدو في لبنان، ووصلت صواريخها ومسيراتها الانقضاضية النوعية إلى تل أبيب، حيث استهدفت مقر إقامة قائد سلاح الجو في جيش العدو اللواء تومار بار، وحققت أهدافها بدقة، بحسب أحد بيانات الإعلام الحربي. كذلك أعلنت المقاومة أنها نفذّت هجوماً جوياً بأسراب من الطائرات المسيّرة النوعية على مجموعة من الأهداف العسكرية الحساسّة في تل أبيب وضواحيها وحققت العملية أهدافها كما قصفت بصليات متتالية مدن الشمال ومستعمراته من كريات شمونة إلى حيفا، مع توقعات شبه مؤكدة بأن الكلمة الأخيرة ستكون للمقاومة رداً على استهداف بيروت.
العدو الذي أوحى بأنّه كان يستهدف منشآت عسكريّة وماليّة تابعة لحزب الله، استهدف فعلياً المدنيين الذين نزحوا من العاصمة بيروت، حيث غصّت الشوارع بهم، في غياب الأجهزة الأمنيّة التي ظهرت وكأنّها في «كوما». ولكنّ تكثيف الاعتداءات بهذا الشكل، هدف العدو منه إلى كيّ الوعي وهزم النفوس التي بقيت صامدة على مدى الشهرين الماضيين، مع ترك بصمته الوحشيّة لإرهاب اللبنانيي.
وكان بايدن قد أعلن موافقة لبنان وإسرائيل على وقف إطلاق النار، وشكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ولفت، في مؤتمر صحافي، إلى أنّه «لن تكون هناك قوات أميركية في جنوب لبنان والغرض من الاتفاق أن يكون وقفاً دائماً للأعمال القتالية». كما اتصل بايدن بميقاتي الذي شكره على جهوده. وأعلن الإليزيه أيضاً أنّ ممثل ماكرون، جان إيف لو دريان، سيتجه إلى لبنان لحل الأزمة السياسيّة.
العدو يستعرض بالنار سعياً وراء صورة انتصار
حاول العدو الإسرائيلي استباق الإعلان الرسمي عن قبوله وقف العدوان على لبنان، برسم مشهد دراماتيكي فيه الكثير من استعراض القوة، للمساهمة في حملة بنيامين نتنياهو المكثّفة للترويج للاتفاق في صفوف اليمين المتطرف ومستوطني الشمال الغاضبين، والذين اعتبروا وقف العدوان «استسلاماً لحزب الله». وفي إطار محاولة رسم صورة النصر هذه، شنّت طائرات العدو الإسرائيلي عشرات الاعتداءات التي طاولت بشكل مكثّف مناطق عديدة في العاصمة بيروت فضلاً عن الضاحية والجنوب وصيدا والبقاع. وعلى مدار يوم أمس، نشر جيش العدو الإسرائيلي عشرات التهديدات باستهداف مبانٍ سكنية في الحمرا ومار الياس والمزرعة وزقاق البلاط والنويري وبربور، وسبقت ذلك تهديدات تلتها غارات على الغبيري والشياح وحارة حريك وبرج البراجنة والجناح والحدث وغيرها في الضاحية الجنوبية، نفّذها العدو بطريقة استعراضية أراد من خلالها تصدير صورة الدخان الكثيف والمباني المهدّمة. وعلى هامش التهديدات، نفّذ العدو غارات على مبانٍ وأماكن غير مُدرجة على لائحة التهديدات في بيروت والضاحية وصور والبقاع وغيرها. أتت هذه الاعتداءات فيما كانت إذاعة جيش العدو قد تحدّثت عن «هجوم جوي نهائي واسع» على البنية التحتية لحزب الله في الضاحية. وبعد حملة الاستعراض الإسرائيلية أطلق حزب الله صليات صاروخية متتالية باتجاه الأراضي المحتلة في الجليل الغربي وصواريخ نوعية باتجاه جنوب حيفا، وواصل الحزب إطلاق الصواريخ ليلاً باتجاه الأراضي المحتلة من حيفا إلى كريات شمونة. وقالت الجبهة الداخلية الإسرائيلية إنه تمّ تفعيل صفارات الإنذار في 115 بلدة في الشمال. وكان جيش العدو نشر صوراً قال إنها تُظهر وصول جنوده إلى نهر الليطاني بعمق 10 كلم، إلا أن المكان الذي ادّعى العدو أنه يبعد عن الحدود 10 كلم ظهر أنه يبعد فقط 3 كلم عن حدود مستعمرة المطلة ويقع غربي بلدة دير ميماس التي دخلها العدو من بلدة كفركلا. ورغم القلق الأميركي المتكرر، واصل العدو استهداف الجيش اللبناني، الذي أعلن أمس أن العدو الإسرائيلي استهدف مركزاً له في بلدة إبل السقي – مرجعيون، ما أدّى إلى إصابة أحد العسكريين بجروح طفيفة. كثافة الاعتداءات المصاحبة لكثافة التصريحات، التي تسوّق الاتفاق كانتصار لإسرائيل، من وجهة نظر فريق نتنياهو السياسي والإعلامي، لم تُقنع مسؤولي المستوطنات الشمالية. وقال دافيد أزولاي، رئيس مجلس المطلة، إنّه لن يسمح بعودة السكان إلى المستوطنة الحدودية، وأضاف: «أنا أطلب إلى السكان عدم العودة والسكن في الشمال، وأن يذهبوا وينتشروا في تل أبيب. وسلام على إسرائيل، ولنتخلَّ عن الشمال». من جهته، أكّد إيتان دافيدي، رئيس مجلس مرغليوت، أن «الاتفاق مع لبنان هو جريمة بحق سكان الشمال». وذكّر المتحدث باسم بلدية كريات شمونة، دورون شينبر، بوعد «الحكومة الإسرائيلية الكاذب»، قائلاً: «نطالب بما حدّدته الحكومة ورئيسها، وهو الانتصار المطلق، بحيث لا يكون اتفاق خضوع».
أطلق حزب الله صليات صاروخية متتالية ليلاً باتجاه الأراضي المحتلة من حيفا إلى كريات شمونة
أما رئيس مجلس ميتا آشر الإقليمي، والذي يضمّ عدداً من مستوطنات الجليل الغربي، فقد حذّر من أن «إسرائيل ستجد نفسها في الأعوام المقبلة مع حزب الله أقوى وأكثر صلابةً، في حال توقيع الاتفاق»، مؤكداً أننا «سندفع الدماء ثمناً لذلك». وواصل حزب الله من جانبه، استهداف مواقع جيش العدو وتجمعات جنوده إضافة إلى العمق المحتل. وفي هذا الإطار، استهدف الحزب مستوطنتي كريات شمونة، ومعالوت ترشيحا بصليات صاروخية. واستهدف دبابة ميركافا بصاروخٍ موجّه بالقرب من مركز البلدية، ما أدى إلى تدميرها، وأوقع طاقمها بين قتيل وجريح. كما استهدف حزب الله تجمعات جنود العدو في مستوطنات المنارة وأفيفيم وزرعيت والمطلة وشوميرا وجنوب مدينة الخيام. وشنّ هجمات بأسراب من المُسيّرات الانقضاضيّة على ثكنة معاليه غولاني (مقر قيادة لواء حرمون 810)، وموقع حبوشيت (مقر سرية تابعة للواء حرمون 810) على قمة جبل الشيخ في الجولان السوري المُحتل، وعلى تجمعٍ لجنود جيش العدو في مستوطنة كريات شمونة. واستهدف الحزب كذلك معسكر تدريب لقوات المشاة في شفي تسيون جنوبي مدينة نهاريا، للمرة الأولى، بصليةٍ من الصواريخ النوعية، والمقر المستحدث لقيادة كتيبة المدفعية التابعة للفرقة 146 جنوب مستوطنة كابري، إضافة إلى قاعدة «شراغا» (المقر الإداري لقيادة لواء غولاني) شمالي مدينة عكا المُحتلّة، ثلاث مرات، بصليات صاروخية. ومساءً، وأثناء انسحاب مجموعة من قوات جيش العدو من بلدة إبل السقي جنوباً باتجاه مدينة الخيام، كمن مُقاومو حزب الله للمجموعة المنسحبة، وعند وصولها إلى نقطة المكمن، فجّروا عبوتين كبيرتين بجرافة عسكريّة ومجموعة المشاة، وجرى التعامل مع دبابة ميركافا كانت ترافق المجموعة بصاروخٍ موجّه، ما أدى إلى تدمير الجرافة والدبابة، ووقوع من فيهما بين قتيل وجريح، وتحقيق إصابات مؤكدة بين جنود المجموعة المُرافقة.
الأخبار اللبنانية