خطاب مفصلي من وسط المعركة : السيد الحوثي يستنهض الأمة لمواجهة العدو

خطاب مفصلي من وسط المعركة : السيد الحوثي يستنهض الأمة لمواجهة العدو

جاء خطاب السيد القائد عبد الملك الحوثي متماسكا وقويا، محملا برسائل واضحة تعكس فهما عميقا للتحديات التي تواجه الأمتين العربية والإسلامية في هذه المرحلة الحرجة.

فهو لا يعبر فقط عن موقف سياسي أو عسكري، بل يتضمن رؤية متكاملة تستند إلى المبادئ الدينية والقيم الأخلاقية التي تشكل جوهر هوية الامة

منذ بداية الخطاب، يؤكد السيد الحوثي على الترابط العضوي بين العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، في تأكيد إلى أن ما يحدث ليس مجرد اعتداءات منفصلة، بل هو جزء من استراتيجية متكاملة تستهدف ضرب محور المقاومة.

هذه النقطة أساسية للأمة ويجب ان تدركها وهي أن العدو الإسرائيلي لا يتوقف عند حدود معينة، وأن استهداف أي طرف من أطراف المقاومة هو استهداف للجميع.

وان العدوان هنا ليس مجرد احتلال للأرض أو اعتداء على السيادة وحسب بل هو محاولة لتدمير الروح المقاومة وزرع اليأس في نفوس الشعوب. لذلك، تأتي دعوة السيد الحوثي إلى التمسك بالمبادئ الجهادية والدينية كرسالة واضحة بأن الجهاد ليس مجرد خيار بل ضرورة وجودية للدفاع عن الكرامة والحرية.

رسائل مهمة للأمة

وفي السياق نفسه يشير السيد الحوثي الى قضية محورية تتعلق بالصراع مع العدو الإسرائيلي، حيث يؤكد على أهمية الإيمان العميق بالحقائق القرآنية التي تضمن زوال هذا الكيان كما يحذر السيد الحوثي من حالة اليأس التي تسربت إلى نفوس بعض قادة الامة مما دفعهم إلى التعاون مع العدو.

هذه الحالة ليست مجرد أزمة فردية، بل تهديد وجودي للأمة بأسرها، إذ أن اليأس قد يفتك بالوحدة ويضعف العزيمة وهنا يُحذر السيد القائد من أن التخاذل قد يقود المتخاذلين إلى الخسارة المروعة، مما يستدعي ضرورة تعزيز الوحدة والتكاتف بين أبناء الأمة، للحفاظ على حقوقهم واستعادة أراضيهم المسلوبة.

يشير القائد بكل وضوح إلى أن كيان العدو يعتمد على أساليب القتل والاغتصاب والتعذيب، مما يبرز بشاعته الوحشية التي يمارسها. هذه التركيز المستمر من القائد يهدف إلى تحفيز الشعوب العربية والإسلامية على إدانة هذه الانتهاكات، ورفع الصوت عاليا ضدها.

من الواضح ان خطاب السيد الحوثي يهدف إلى توعية الأمة بخطورة الاستسلام واليأس، في السياق نفسه تتجلى دعوته كنداء لإعادة إحياء الروح الدينية والوطنية في الامة وتعزيز الأمل في مواجهة التحديات، مذكرا الجميع بأن النصر ليس مجرد حلم، بل هو حق مشروع، ووعد الهي ينتظره كل الأحرار

وهنا يستدعي السيد تجارب سابقة في التاريخ الإسلامي والعربي، حيث أدى التخاذل إلى سقوط أراض وانتهاك كرامة الشعوب.

هذا الاستدعاء للتاريخ هو تحذير مما قد يحدث إذا لم يتحرك الجميع لتحمل مسؤولياتهم والرسالة هنا تتجاوز فكرة المقاومة المسلحة لتشمل المقاومة الفكرية والثقافية، فالتهاون مع العدو ليس فقط في الميدان، بل أيضا في الفكر والتربية والقيم.

واستنادا إلى النصوص القرآنية، يعزز السيد الحوثي رؤية المقاومة واهمية الجهاد لحسم مستقبل الصراع مع الكيان المجرم وكذلك الإيمان بزوال العدو جزء لا يتجزأ من عقيدة الامة في القران الكريم وهو عنصر قوة يشحن النفوس بالإصرار ويعمق الثقة بالنصر.

خطاب من هذا النوع يُكمل الجانب المادي للصراع، حيث يرتبط المصير النهائي للأمة بموقفها من المقاومة ومن هنا يتضح أن المواجهة مع العدو ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي معركة وجودية تعتمد على إيمان عميق بوعد الله في القرأن وحركة شاملة تتجاوز السلاح إلى العمل الثقافي والاجتماعي.
اللافت في خطاب اليوم هو تجديد السيد الحوثي تحذيره للأمة من “خطورة التنصل عن المسؤولية” مشددا على أن التفريط في القيام بالواجبات والتخاذل سيؤديان إلى تبعات سياسية وإنسانية جسيمة.

وهو ما لاحظناه في خطابه السابق هذا التحذير يحمل في طياته بأن هذا التخاذل له تأثيرات سلبية واضحة ستطال المتنصلين، سواء كانوا دولا أو جهات سياسية.

فالتنصل عن القضية الفلسطينية لا يُعد مجرد خطأ سياسي، بل يحمل بوادر اضطرابات كبرى ستؤثر على كافة الأطراف المعنية، مما يعزز من فكرة أن المرحلة القادمة ستكون مليئة بالتحديات الكبرى، وأن المعركة القادمة ستكون مصيرية في تشكيل مستقبل المنطقة.
وان هذه المعركة مع الكيان ستشعل كل المنطقة ولن يكون احد في مأمن منها

حزب الله نموذج

تجربة حزب الله في لبنان احتلت حيزا مركزيا في الخطاب، حيث يستشهد السيد الحوثي بتجارب الحزب في التصدي للاحتلال الإسرائيلي وتحقيق انتصارات نوعية رغم الإمكانات المحدودة.
هذا الإصرار والصبر الذي تميز به حزب الله يُعد نموذجا حيّا للمقاومة الفعالة، وهو رسالة إلى كل الأمة بأن الثبات والعزيمة هما المفتاح الحقيقي للانتصار.

كذلك تجربة حزب الله ليست فقط انتصارا عسكريا بل هي انتصار لقيم التضحية والإخلاص التي تجسدت في أسمى معانيها ومن هنا يأتي الربط الطبيعي بين هذه التجربة وتجربة غزة، حيث يشير السيد إلى أن المجاهدين في غزة لم يكونوا فقط مقاتلين، بل هم تجسيد حيّ لمفهوم الثبات والصمود الذي زرع الرعب في قلب العدو.

على الصعيد العسكري، يوضح السيد الحوثي أن المقاومة اليوم باتت تملك أدوات الردع الفعالة، مشيرا إلى أن حزب الله في لبنان يمتلك القدرة على الوصول بالصواريخ إلى كل بقعة في فلسطين المحتلة، ما يجعل العدو الإسرائيلي في موقف دفاعي مرتبك.

هذا التأكيد على القدرات العسكرية ليس مجرد تهديد، بل هو رسالة طمأنة للامة بأن الأوضاع على الأرض تحت السيطرة، وأن أي محاولة للعدو لتنفيذ عملية برية ستواجه برد قاس يتسبب في خسائر فادحة.

البعد الدولي للصراع

السيد وكما هي عادته يطرح في كل مرة تحليلا دقيقا للبعد الدولي للصراع، مسلطا الضوء على الدعم الغربي، خاصة الأمريكي والبريطاني، للكيان، المحتل

وهنا يتناول بذكاء البعد العقائدي في الدعم الغربي للاحتلال، مشيرا إلى أن هذا الدعم يتجاوز المصالح السياسية والاقتصادية إلى بعد ديني يتجذر في عقائد بعض القوى الغربية.

هذه النقطة مهمة جدا للأمة لكي تدرك أن المواجهة ليست فقط مع إسرائيل ككيان سياسي، بل هي مواجهة مع مشروع استعماري أوسع تدعمه قوى دولية ترى في إسرائيل أداة لتنفيذ مخططاتها في المنطقة.

من هذا المنطلق، تأتي دعوة السيد إلى الحذر من أي تواطؤ أو استسلام أمام هذا المشروع، مؤكدا أن التخاذل في مواجهته سيترتب عليه اثارا كبيرة خصوصا على الدول التي تقف في صف العدو

تصاعد عمليات جبهات الاسناد

أما على صعيد جبهات الاسناد، فقد أكد السيد الحوثي على دور جبهة الإسناد العراقية، حيث باتت العمليات تمتد من غور الأردن إلى أم الرشراش وحتى حيفا، مشيرا إلى تصاعد العمليات العسكرية التي تُنفذها هذه الجبهة ضد العدو الإسرائيلي.

وكذلك جبهة الاسناد اليمنية والإنجازات العسكرية، التي حققتها حيث سلط السيد الضوء على نجاح القوات المسلحة اليمنية في مسرح العمليات في البحر الأحمر، فقد أصبح باب المندب وخليج عدن والبحر العربي مناطق محظورة تماما على السفن الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية. هذا الإنجاز التاريخي يُظهر قوة اليمن وقدرتها على فرض سيطرتها على الممرات المائية الحيوية، مما يضع العدو في موقف حرج ويجعل تحركاته البحرية في حالة من الارتباك.

في تأكيد الى ان هذا التقدم لا يعكس فقط قدرة اليمن على المواجهة البحرية فقط بل يعكس أيضا استعدادها لتحقيق انتصارات مماثلة على الأرض. فبفضل هذه القدرات الصاروخية المتقدمة، تستطيع اليمن توجيه ضربات مؤلمة إلى عمق الكيان، مما يُعزز من موقفها كقوة رادعة لم تعد محصورة في حدودها الجغرافية.
في سياق كلمته اشار السيد الحوثي عن الإنجاز الاستراتيجي المتمثل في دخول الصاروخ “فلسطين 2” في الخدمة، وهو ما يُعتبر قفزة نوعية في القدرات العسكرية اليمنية. هذا التطور ليس مجرد تعزيز للإمكانات القتالية، بل هو دليل على أن التصعيد ضد العدو سيكون قويا ومؤثرا مما يجعل المرحلة الخامسة من التصعيد دعما لغزة أكثر فاعلية وتأثير

الموقف الثابت لليمن

تأكيدات السيد عبد الملك الحوثي بأن اليمن لن يترك غزة مهما كان الثمن، وسيظل مساندا لها بعملياته العسكرية وغير العسكرية وكذلك لحزب الله، ولكل الامة في حال تعرضت أي دولة لعدوان من قبل الأعداء

تشير إلى عمق الالتزام الوطني والديني والاخلاقي الذي يربط اليمن بقضية فلسطين والمقاومة بشكل عام. هذا الموقف يعكس فهما استراتيجيًا عميقا لأهمية الدعم المتبادل بين مختلف جبهات المقاومة في مواجهة التحديات التي تفرضها القوى الاستعمارية.

تظهر هذه التأكيدات أن اليمن لا ينظر فقط إلى صراعه كمعركة محلية، بل كجزء من صراع شامل يشمل الأمة العربية والإسلامية. فهي تعبر عن إرادة جماعية لمواجهة العدوان والتأكيد على أن كل نقطة دم تُسفك في سبيل الحرية والدفاع عن المقدسات هي نقطة دم غالية تُعزز من قوة الروابط بين الشعوب العربية.

إضافةً إلى ذلك، تؤكد هذه الرسالة على أن اليمن، رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها، لا يزال قوة داعمة للمقاومة، وأن عملياتها العسكرية ليست مجرد رد فعل، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحرير الأراضي المحتلة

هذا الالتزام العميق يؤكد على البعد العربي والديني والقرأني لمشروع المسيرة القرآنية، حيث يجسد رؤية تتجاوز الحدود الجغرافية وتعتبر المقاومة واجبا وطنيا ودينيا على كل من يؤمن بقضية الأمة.

 

كتب/كامل المعمري

صحفي متخصص في في الشأن العسكري

قد يعجبك ايضا