تماهي عباس وأنظمة عربية -في ما يتعلق بالترويج لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية- مع الرؤية الصهيونية

بالرغم من أنَّ طرفي المعركة الدائرة رحاها على أرض فلسطين والمراوحة نيرانها بين الخمود والاشتعال يتمثلان في شعبٍ أعزل يستخدم -في سبيل انتزاع حريته- كل ما أتيح له من أدوات النضال وقوةِ احتلال تضرب بيدٍ من حديد من أجل استئصال شأفة الشعبِ الفلسطيني الضاربة جذوره في الأرض المباركة منذ أمدٍ بعيد بهدف تغيير الوقائع على الأرض وخلق واقعٍ ديموغرافيٍّ جديد، وبالرغم من اختلال ميزان القوى لصالح المحتل إلى مستويات لا تعقل، فقد مُني هذا المحتل -أمام تشبث الفلسطيني بأرضه تشبثًا فوق ما كان يتخيل- بالفشل، ومع توافر المقاومين الفلسطينيين على عدد محدود من الأسلحة النارية البدائية صارت مهمته المتمثلة في تطهير الأرض من أصحابها أصعب من ذي قبل، فلم يسعه -في سبيل تحقيق ما يحلم به من نصر مبين على الفلسطينيين- سوى الاستعانة بحلفائه المخلصين من العرب المتصهينين الذين أبدوا وما يزالون يبدون -في الاشتراك بما يحاك ضد عرب فلسطين من مخططات التهجير- تصهينًا وتحمُّسًا منقطعي النظير.

نزع سلاح المقاومة أمنية صهيونية دائمة

لعلنا ما نزال نتذكر ما كان يبديه «الكيان الصهيوني» من تضجُّر إزاء تصدي الشعب الفلسطيني لوحشيته وإجرامه بـ«الحجر» الذي كان يراه مكافئًا لأسلحته النارية الفتاكة التي ارتكب في حق الشعب الأعزل -بواسطتها- مئات المجازر في ظل صمتٍ وتواطؤٍ دوليين يندى لهما الجبين.

وما إن بدأت الحركات الفلسطينية تتصدى -منذ مطلع القرن- لهجمات قوات الاحتلال الغاشمة ببعض الأسلحة النارية الخفيفة وعدد محدود من العبوات الناسفة المصنعة محليًّا، حتى بدأت سلطات الكيان تصمُّ الآذان بدعواتها الصاخبة والدائمة إلى الإسراع بـ«نزع سلاح المقاومة»، كما لو كان استخدام السلاح -بحسب ما هو مسيطر على تفكيرها من عُقدة التميز التي صبغ بها مفهومها- حلالًا لها وحرامًا على غيرها لا سيما خصومها.

أما بعد تفجُّر «طوفان الأقصى» في وجه هذه السلطات الإجرامية، وصمود المقاومة الفلسطينية -بفضل ما باتت تحوزه من ترسانة أسلحة أثبتت كفاءتها في ميادين القتال كما في ميادين التدريب وترسانة صواريخ دقيقة التصويب- في وجه قواته الحديثة التسليح الكثيرة العدد وتكبيدها -لأكثر من عام و6 شهور- الكثير من الخسائر التي حطمت ما كان ينتاب قادتها من خيلاء وعنجهية وغرور، فقد صارت أكثر تمسكًا بمطلب «نزع سلاح المقاومة»، حتى لا تتعرض -في المستقبل- لدرسٍ مشابه لما تجرعته في الـ7 من أكتوبر، ولكي يتسنى لها -بعد نزع مخالب المقاومة- الفتك بالشعب الفلسطيني دون أدنى مقاومة، وحتى تتمكن من تنفيذ مخطط التهجير القسري المرسوم ضدَّه في أقصر ما هو مرصودٌ لهُ من مدة، فضلًا عن تمكين «نتنياهو» من تحقيق ما عجز عن تحقيقه من خلال 19 شهرًا من القصف البري والبحري والجوي الوحشي على طاولة تفاوضٍ يُهيمن على مجرياته وسيطٌ صهيوأمريكي متحيز تدعمه من تحت الطاولة أنظمةٌ صهيوعربية مقبلةٌ بنهمٍ فظيع على مشاريع التطبيع.

مواقف سعوإماراتية صهيوتواراتية

بالرغم ممَّا يميز نظامي «الرياض، وأبوظبي» عن نظام «تل أبيب» من مظاهر الاختلاف، فإنَّ الثلاثة الأنظمة تلتقي حول عدة أهداف يتصدر هدف «القضاء على المقاومة الفلسطينية» بدءًا بتحييدها عن ميدان الكفاح من خلال نزع ما تمتلكه من سلاح، فالمواقف «السعوإماراتية» -من قضية «نزع سلاح المقاومة» لا سيما «حماس»- متطابقة مع المواقف «الصهيوتوراتية»، وذلك ما قد يفهم من احتواء تقرير الصحفي «داود علي» التساؤلي المعنون [ترامب والتطبيع.. لماذا تلحُّ السعودية والإمارات على نزع سلاح مقاومة غزة؟!] الذي نشرته صحيفة «الاستقلال» يوم الأربعاء الـ23 من أبريل الجاري على الفقرات النصية الآتية: (تقود الإمارات والسعودية دعوات تقف وراءها أميركا والكيان الإسرائيلي، لنزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وفصائل المقاومة المتعاونة معها في قطاع غزة، زاعمتين أنَّ ذلك سيعمل على تحقيق الاستقرار وإفساح المجال لحل سياسي ينهي حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

فعند ما اجتمع بعض قادة الدول العربية في العاصمة السعودية -خلال القمة العربية المصغرة في 21 فبراير 2025- جرى التحدث في الكواليس عن شروط للسعودية والإمارات بضرورة نزع سلاح حماس.

وكشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية في 26 فبراير -نقلًا عن مصادر مطلعة- أنَّ السعودية والإمارات تربطان دعمهما المالي لإعادة إعمار غزة بنزع سلاح حماس بالكامل.

وأشارت الصحيفة إلى أنَّ الرياض وأبو ظبي شددتا خلال الاجتماع على أنهما لن تشاركا ماليًّا أو عمليًّا في إعادة الإعمار، ما لم يتم نزع سلاح حماس، وضمان عدم مشاركتها في الحكم، وهو ما عارضته مصر وقطر.

وأكدت الصحيفة أنَّ السعودية والإمارات لم تقبلا أيَّ تنازل بشأن نزع سلاح حماس؛ حيث نقلت عن مسؤول لم تسمه قوله: “لا ينبغي أن تبقى بندقية واحدة أو رصاصة واحدة في أيدي حماس في غزة، وإلا فإنَّ القطاع سوف يدمر مرارًا وتكرارًا، حتى بعد إعادة بنائه”).

بذل السيسي ما يُستطَاع لصهينة القطاع

وإذا كان النظام المصري -في عهد السادات- قد اقترف جرم توقيع أولى اتفاقيات التطبيع، فقد ناصب ذلك النظام -في عهد «السيسي» تحديدا- المقاومة الفلسطينية العداء، وأسهم في إحكام الحصار على «قطاع غزة» الذي يعتبر معقلها الأساس، تنفيذًا لأجندة «دولة الكيان»، مبررًا تعاونه بقوة مع دولة عدوة لخنق أكثر من مليوني نسمة من أبناء الأمة -وفي منافاةٍ تامة مع ما يربط الشعبين المصري والفلسطيني من أواصر الأخوة- بما كان من ارتباط لـ«حماس» بـ«جماعة الإخوان» لم يتجاوز -في معظم الأحيان- حدود التعاطف الجماهيري الشعبي الذي يعتبر حالةً شائعةً في أوساط كافة جماهير الوطن العربي.

وإذا كان هذا ذلك النظام يلعب -بصورةٍ دائمة- دورًا استخبارتيًا يفتُّ في عضد المقاومة، فقد حتمَّ على قيادة حماس موقعه الجغرافي الذي يربط «مصر» بـ«القطاع» بحدودٍ مشتركة أو ما يمكن أن نطلق عليه -مجازًا- علاقة «محادَدَة» القبول باشتراكه في الوساطة، التي استغلها -كما جرت العادة- لتسويق نفسه عند «كيان العدو» بأنه أقدر الخلفاء على تمرير رؤى «نتنياهو» وخاصة في ما يتعلق بتجريد المقاومة من السلاح وتمكينه من احتلال القطاع، وقد أشير إلى هذا المعنى في سياق التقرير التحليلي المعنون [مقترح هدنة طويلة.. والسيسي يواصل التماهي مع الرؤية الإسرائيلية] الذي نشره موقع «العدسة بوست» في الـ23 من أبريل الحالي على النحو التالي: (ورغم أهمية الوساطة المصرية كممر جغرافي وسياسي، إلا أنَّ الثقة الشعبية الفلسطينية والعربية بالنظام المصري -وتحديدًا في إدارة السيسي- باتت شبه معدومة، لا سيما في ظل تكرار محاولاته تمرير رؤية نزع سلاح المقاومة كشرط لأيِّ تهدئة، وهو مطلب إسرائيلي بامتياز.

وإنَّ مطالبات القاهرة المتكررة بحصر السلاح بيد السلطة الشرعية لا تخدم المصالح الفلسطينية، بقدر ما تعيد إنتاج شروط الاحتلال، عبر تسويق مفهوم التهدئة مقابل التجريد، وكأنها معادلة إقليمية عادلة.

وهذا الخطاب يفتح الباب أمام مشروع تفكيك البنية العسكرية للمقاومة لصالح تمكين الاحتلال من السيطرة غير المباشرة على غزة من خلال وكلاء محليين.

وقد سبق لمصر في اتفاقات سابقة -خلال هدنة يناير 2025- أن روّجت لصيغ مشابهة، دون ضمانات أو حلول مستدامة، فانهارت التهدئة بمجرد عودة الاحتلال لفرض شروطه العسكرية في مارس، وبما يعكس إصرار السيسي على تقديم نفسه شريكًا موثوقًا للعدو الصهيوني في ترويض المقاومة، ولو على حساب دماء الشعب الفلسطيني).

لهث «عباس» لحيازة سلاح «حماس»

ممَّا لا يختلف حول صحته اثنان أنَّ «محمود عباس» شديد الإخلاص لـ«سلطات الكيان»، وأنَّ سلطته التي تطلق عليها -خطأً- تسمية «السلطة الوطنية» مجرد أداةٍ أمنية بيد السلطات الصهيونية تستخدمها في أعمال تجسسية ومهام شرطوية ضدَّ عناصر وخلايا المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، مثلما لا يختلف متابعان حول انطواء خطاب «عباس» -على الدوام- على تحميل حركة «حماس» تبعات ما تقترفه آلة القتل الصهيونية في حقِّ سكان «قطاع غزة» -منذ ما يزيد على العام ونصف العام- من إجرام.

بيد أنه كان -بالرغم من احتشاء بياناته وخطاباته وكلماته بمضامين الخلان والسلبية- يتجنب التلفظ الفضَّ بالألفاظ النابية الموغلة في الفجاجة التي تنحدر بالمتلفظ بها إلى مستوى رعاع الرعاع الذين تطلق عليهم -دلالةً على انحدارهم وانتقاصًا من أقدارهم- تسمية «بلاطجة»، بعكس ما صدر عنه في آخر اجتماع لـ«المجلس المركزي الفلسطيني» الذي بدا فيه لسانه -لأول وهلة- منفلتًا من عقاله، فقد افتتح الاجتماع -بأسلوبٍ عاد عليه من جمهور المشاهدين بالكثير من الانتقاص- بتوجيه شتيمة ذميمة إلى حركة «حماس»، ثمَّ أتبع ذلك اللفظ النابي وغير اللائق بدعوة الحركة المرابطة والصابرة -بنبرة آمرة وزاجرة- إلى تسليم من تبقى لديها من الأسرى فورا وإلى التخلي عن سلاحها وعن إدارة القطاع لصالح سلطته المتواطئة -بسفورٍ فجّ- مع كيان العدو الذي يبيد أطفال القطاع -منذ أكثر من سنة و6 أشهر- غير شاعرٍ بالحدِّ الأدنى من الحرج.

ولعل جرأة «عباس» التي عكسها تفوهه بتلك الألفاظ المبتذلة قد استندت إلى ما أوحت له بعض الأطراف المخولة بالتدخل في مناقشة أدق المسائل بأنَّ سلطته هي المؤهلة لإدارة القطاع في المرحلة المقبلة وأنها الجهة الوحيدة الذي سيؤول إليها «سلاح حماس» بعد انتزاعه منها رغمًا عنها، فلا تلبث أن تستخدمه -كما هو معهودٌ عنها بصورةٍ دائمة- في قمع أيِّ مظهر من مظاهر المقاومة في المراحل القادمة.

تقرير / عبدالسلام التويتي

قد يعجبك ايضا