اليمن في خطابات السيد نصرالله: موقف ثابت وصوت صادق ونهج مستمر وآثر باق في قلوب اليمنيين
ـ كشف الهدف الحقيقي من العدوان الأمريكي السعودي وفند ادعاءاتهم
ـ وضع اليمن في قلب الصراع الإقليمي كاشفاً الأبعاد الاستراتيجية للصراع
تقرير ـ جميل الحاج
تحتار عند كتابتك عن “البحر”، أي الأقلام ستوفيه! تشعر بالمسؤولية، وتخاف أن يخونك التعبير. تقرأ الجملة عشرات المرات، تسمع صوته أضعافًا، وتُقلّب الأبجدية علّك تجد موطئ الوصف. كيف لا، يا سيد شهداء المقاومة، يا شمس هذه الأمة.
السيد نصر الله، الاسم الذي كان وما زال حاضرًا في المنطقة العربية ومعظم دول العالم. كان مؤثرًا في خطاباته الدينية، وثائرًا في تلك المتعلقة بالقضايا الوطنية والعربية، وهادئًا في جميع المواقف التي تحمل السلام والجهاد لشعبه ولليمن، والقضية الفلسطينية وشعوب الأمة.
لا يمكن اختصار تأثير خطابات الشهيد السيد في بضع سطور. فخطاباته جمعت بين القوة والشجاعة، الصلابة والتحدي، التدين والتسليم، وأيضًا اللطف والمحبة. وقد شكلت هذه الخطابات مدرسة متكاملة تُعتبر إرثًا عظيمًا لمحبيه، وتوثيقًا لأهم مراحل تأسيس وتصاعد حزب الله.
وخلال أكثر ما يقارب عشر سنوات مضت من عمر العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، كان السيد نصرالله يتابع باهتمام بالغ كُـلّ تفاصيل المعركة، بل ويعلق عليها في خطاباته، فهو يفرح لفرح الشعب اليمني، ويحزن لحزنه، يتألم حين يستشهد الأطفال والنساء والمدنيين، وحين تقصف البنية التحتية بدون سبب، متمنياً لو كانت هذه العاصفة أَو الحملة الهوجاء على اليمن موجهة ضد الكيان الصهيوني الغاشم، كما أنه يرى أن كلفة المعركة مهما كبرت هي أقلُّ من كلفة الاستسلام لمن يريد أن يصادر سيادتهم وقرارهم وكرامتهم.
الحزب وأمينه العام عند اليمنيين
يحتل حزب الله وأمينها العام الشهيد السيد حسن نصر الله مكانة عظيمة في قلوب اليمنيين، لا تدانيها مكانة، وهي مكانة ضاربة في التاريخ، لا تستوعبها الأقلام، ولا الدفاتر، بل تكاد لا تدركها العقول، ولا تسعها القلوب، هي مكانة الوفاء من الصدق، والتضحية من الفداء، لا تستطيع التفرقة بينها، لم تنشأ فجأة، ولم تأت من فراغ، كما أنها لم تولد من غير والد، أو تنْمُ من غير رعاية.
فقد كانت خطاباته لا تخلو من مشاعر التضامن والوقفة الصادقة مع الشعب اليمني منذ اليوم الأول من العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، ونصرته للشعب اليمني يوم خذلة العالم.
منذ بدء العدوان الأمريكي السعودي على اليمن في نهاية الشهر الثالث من العام 2015م، اتخذت القضية اليمنية أبعاداً سياسية وعسكرية معقدة، تحتاج إلى تحليل عميق لفهم دينامياتها. في هذا السياق، برز الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كأحد الأصوات القليلة التي وضعت اليمن في إطارها السياسي الصحيح، مبرزاً الأبعاد الاستراتيجية للصراع وتأثيره على المنطقة بأسرها.
كانت نبرة السيد نصرالله واضحة، فقد أكد خطابه الأول في اليوم الثاني من العدوان الأمريكي السعودي في مارس عام 2015 أن الهدف الحقيقي من العدوان على اليمن هو إعادة الهيمنة والوصاية السعودية الأميركية على اليمن، بعد أن قام شعب اليمن باستعادة القرار والسيادة ورفض أي شكل من أشكال الهيمنة الخارجية.. وانه يأتي ضمن خطة واسعة تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة لمصلحة القوى الغربية.. لقد فند السيد نصرالله المزاعم التي تدّعي الدفاع عن ما سمي بـ (الشرعية)، مشيراً إلى أن “الشرعية” هي مجرد ستار لتغطية الأهداف الحقيقية التي تسعى القوى المتعددة لتحقيقها في اليمن.. كان واضحًا منذ البداية أن السيد نصرالله يدرك أن اليمنيين يمثلون نموذجًا للمقاومة، وأنهم ليسوا مجرد فصيل محلي، بل هم جزء من محور مقاوم يستهدف الهيمنة الأمريكية والصهيونية في المنطقة.
حزب الله وأمينة عند الشهيد القائد
بين النصرين، أراد الله لليمن أن تنهض على يد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، فعمل على أن يكون السيد نصرالله نموذجه المشرق في الجهاد والصدق والثبات، ودليلا على وعد الله تعالى للامة بالنصر، وقد حملت محاضراته الكثير من المواضع في هذا الصدد، لعل أبرزها حين جعل هذا القائد مصداقا لقول الله تعالى: (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون)، ويقول رضوان الله عليه: “ولهذا، الأشخاص الذين يثقون بالله يتكلمون بملئ أفواههم بكل تحدي لإسرائيل عند رأسها، حسن نصر الله، وأمثاله، بكل صراحة، وبكل قوة، من منطلق ثقته بصدق القرآن، أن هؤلاء أجبن من أن يقفوا في ميدان القتال صامدين، وجربوهم فعلاً، جربوهم في جنوب لبنان، كيف كانوا جبناء، يهربون، جندي واحد يرد قافلة، ورتلا من الدبابات، الشاحنات العسكرية. أرعبوهم حتى أصبح اليهود متى ما خرج اليهودي من جنوب لبنان إلى داخل فلسطين يبكي من الفرح، ويقبِّل أسرته، خرج من بين غمار الموت”.
في موضع آخر قدم الشهيد القائد ـ السيد نصرالله نموذجا، للمؤمن الذي مُلئ قلبه بالإيمان، ويقارن بينه وبين بقية الزعماء العرب: “هل أحد منكم شاهد [السيد حسن نصر الله] في التلفزيون وهو يتكلم بملء فمه، وبكل قوة وبعبارات تهز إسرائيل. ماهي عبارات مثلما يتكلم زعماء العرب الآخرين” ويستطرد بوصف تلك الكلمات: “كلمات مجاهد، كلمات شجاع، كلمات تحتها جيش من الشباب المجاهدين الأبطال، يتكلم كلمات حقيقية مؤثرة، وهو بجوارهم، وهو يعلم أن معهم قنابل ذَرِّيّة، وأن معهم صواريخ ومعهم دبابات، ومعهم كل شيء، لكن قلبه من القلوب المملوءة بتولّي الله ورسوله والذين آمنوا فأصبحوا حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، كما سيأتي عندما نصل إلى عند هذه الآية”.
السيد نصرالله إدراكه المخطط الأمريكي منذ الحروب الست إلى يوم استشهادة
منذ بدايات المواجهة بين الشعب اليمني والهيمنة الأمريكية-السعودية، كان السيد حسن نصر الله من أوائل القادة الذين تبنّوا قضية اليمن بصوت واضح وصريح، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة والمصالح العابرة. لم يكن موقفه مجرد تأييدٍ عابر، بل كان موقفًا ثابتًا ومبدئيًا، نابعًا من رؤيته العقائدية التي تضع نصرة المظلوم في صلب مشروع المقاومة، سواء كان هذا المظلوم في فلسطين، أو لبنان، أو العراق، أو اليمن.
وحين شن النظام اليمني، بدعم سعودي وأمريكي، حروبه الظالمة على أبناء صعدة بين عامي 2004 و2010، التزم العالم العربي الصمت المطبق، وشاركت وسائل الإعلام المموَّلة خليجيًا في التعتيم على الجرائم الوحشية التي استهدفت الأبرياء. لكن السيد حسن نصر الله كان صوتًا مختلفًا، إذ تحدث عن هذه الحروب في وقت لم يكن أحد يجرؤ على ذكرها، وسلط الضوء على المظلومية التي تعرض لها أبناء صعدة، وفضح التواطؤ السعودي-الأمريكي في دعم تلك الحروب.
كان موقفه هذا يعبّر عن إدراكه العميق لطبيعة الصراع، فلم يكن ما يحدث في صعدة مجرد اضطرابات داخلية، بل كان مقدمة لمخطط أمريكي-صهيوني لضرب أي قوة صاعدة تتبنى خط المقاومة وترفض الهيمنة الغربية.
عَبرة صادقة وموقف ثابت
لم يكن هناك حاجزٌ بينه وبين عَبرته. كان مباشرة أمام أنصاره يبكي.” كان بالنسبة للشعب اليمني أبرز المدافعين عن مظلوميتهم. فلم تخلُ خطاباته من التأييد والانحياز الكامل للشعب اليمني.
وقد اعتبر شهيد الإسلام في خطاب له في الأول من مارس 2016م أن أشرف وأعظم ما فعله في حياته هو خطابه في ثاني يوم من العدوان على اليمن، مؤكدًا أنه لا توجد مظلومية على وجه الأرض توازي مظلومية الشعب اليمني، وبكى لهذه المظلومية أمام شعبه مباشرة.
فند حجج العدوان وكشف أهدافة
وفي خطابة الأول كشف السيد حسن نصر الله الهدف الحقيقي لهذه الحرب هو إعادة الهيمنة والوصاية السعودية الأميركية على اليمن، بعد أن قام شعب اليمن باستعادة القرار والسيادة ورفض أي شكل من أشكال الهيمنة الخارجية.. وأضاف “أذا كان الهدف من العملية السعودية ضد اليمن إنقاذ الشعب اليمني فلماذا تركتم الشعب الفلسطيني عقودا بل تآمرتم عليه وخذلتموه”.
وفند الحجج الواهية التي ساقتها دول العدوان وعلى رأسها السعودية لتبرير العدوان والحرب على اليمن والتي كان منها: بان هدف هذه الحرب على الشعب اليمني هو الدفاع عن عروبة اليمن، وقال السيد نصرالله مستغرباً! هل فوضت الشعوب العربية النظام السعودي أن يشن حرباً باسمها، باسم العرب، على اليمن.. وصفاً الشعب اليمني بأنهم العرب الأقحاح، مضيفاً: انظروا إلى سحنتهم، إلى لهجتهم، إلى لغتهم، إلى شِعرهم، إلى أدبهم، إلى بلاغتهم، إلى فصاحتهم، وانظروا إلى شهامتهم وشجاعتهم وحماستهم وأبوّتهم وإبائهم للضيم ونخوتهم وغيرتهم وكرمهم وجودهم. إن لم يكن الشعب اليمني من العرب فمن العرب؟
وسرد التاريخ اليمني، بأن اليمنين هم حضارة العرب قبل الإسلام، عندما كانت شبه الجزيرة العربية وأهلها لا يتقنون القراءة والكتابة.. وخاطب دول العدوان قائلاً: يوجد أناس “مش معروف قرعة رأس ابوهم من أين”، يريدون أن يناقشوا اليمنيين أنهم عرب أو غير عرب ويدافعوا عن عروبتهم.
وخلال سنوات العدوان على اليمن وفي كل مرة يتحدث فيها السيد نصرالله، كان يعيد توجيه الأنظار نحو الاستراتيجيات التي تنتهجها القوى المعادية، حيث اعتبر أن الحرب على اليمن هي جزء من استهداف المقاومة في لبنان وفلسطين، وهو ما يجعل من القضية اليمنية معركة وجودية لا تقتصر على حدود اليمن
وفي خطابه في 2016، وصف السيد نصرالله التدخل العسكري بأنه “حرب إبادة”، واعتبر أن الجرائم التي ترتكب في اليمن هي تجسيد حقيقي لعقيدة القوى الاستعمارية التي تسعى إلى تدمير الهوية الوطنية.
تجلى دور السيد نصرالله في دعمه المستمر لليمنيين من خلال إيضاح الخلفيات السياسية للمعتدين، حيث عمل على فضح المصالح الاقتصادية والعسكرية التي تكمن وراء الهجوم على اليمن. في خطاباته، كان يسرد كيف أن التحالف العربي يتبنى أجندات مدعومة من واشنطن، تستهدف التحكم في ثروات اليمن ومنع أي نموذج مقاوم من الظهور في المنطقة.
ومع تصاعد الأزمات الإنسانية في اليمن، كان السيد نصرالله يؤكد على ضرورة تجاوز الخطاب الإنساني إلى مستوى التحليل السياسي العميق. لقد أشار في العديد من خطاباته إلى أن الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب اليمني ليست مجرد صدفة، بل هي نتيجة مباشرة للسياسات العدوانية. وقد عمل على إبراز كيف أن الحصار المفروض على اليمن لا يمثل اعتداءاً على الشعب فقط، بل هو محاولة لتمرير مشاريع سياسية تتناقض مع حق اليمنيين في تقرير مصيرهم.
نصر الله: اليمن “ساحة المقاومة” الجديدة
وفي عام 2018، وفي ذروة تصاعد الهجمات على اليمن، ألقى السيد نصرالله خطاباً هاماً، اعتبر فيه اليمن “ساحة المقاومة” الجديدة في مواجهة الاستكبار. وقد استحضر التاريخ النضالي لليمنيين، موضحاً كيف أن صمودهم يمثل اختباراً للقدرة على المواجهة. وأشار إلى أن اليمنيين يتمتعون بإرادة قوية قادرة على مقاومة الاحتلال والهيمنة.
كما أكد السيد نصر الله في خطابٍ له يوم 2019م: “إن الموقف التاريخي الذي أعلنه القائد الشجاع والعزيز السيد “عبدالملك بدرالدين الحوثي” فيما يعني الصراع مع العدوّ الإسرائيلي يجب أن نتوقف عنده، وأن إعلانه بالرد على أي اعتداء إسرائيلي على اليمن له أهميّة كبيرة كونه يصدر عن قائد لجبهة ما زالت تقاتل منذ 5 سنوات جيوشاً وقوى كبرى”.
عندما بدأت انتصارات اليمنيين تتجلى على الأرض، زادت نبرة السيد نصرالله تفاؤلاً، حيث أشار في خطابه عام 2020 إلى أن “الأمة التي تصمد في وجه التحديات ستحقق الانتصار”.. كان يشير إلى أهمية تعزيز الوحدة بين جميع قوى المقاومة، وأن النصر ليس فقط في الميدان العسكري، بل يتطلب أيضاً وعياً سياسياً وعسكريا وثقافياً يستند إلى استراتيجية طويلة الأمد.
حرص السيد نصرالله على ربط نضال اليمن بقضية الأمة الكبرى، لقد أكد مراراً أن كفاح الشعب اليمني يتقاطع مع مقاومة الشعب الفلسطيني، وهو ما يجعل من التجربتين نموذجاً للتحدي أمام المشاريع الغربية في المنطقة، هذا الربط أسهم في تعزيز الشعور لدى اليمنيين بأن نضالهم ليس منعزلاً، بل هو جزء من حركة أكبر تهدف إلى تحرير الأراضي العربية.
يا ليتني كنت معكم
كان شهيد الإسلام السيد حسن نصر الله يتابع سير المعارك العسكرية في جبهات القتال على مدى السنوات الماضية، ثم يخرج بخطابات يعلن فيها انبهاره الكبير بالمقاتلين اليمنيين الأبطال، وبقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدرين الحوثي، ولا سيما ما حدث في الساحل الغربي، حَيثُ يقول “عندما نزلوا إلى الميدان كانت هزيمة نكراء وما جرى في الساحل الغربي اليمني أشبه بالمعجزة؛ لأَنَّ القتال يجري بين أقوى أسلحة الجو وأجهزة استعلام قوية وتقنيات وجيوش وقوات وبالمقابل شعب مجاهد يملك إمْكَانيات متواضعة لكن يملك إيمَـاناً كَبيراً وثقة بالله”.، ثم يؤكّـد بقوله: “في التجربة الأخيرة في الساحل الغربي يجب أن ننحني إجلالاً لهؤلاء المقاومين الأبطال ولقياداتهم الشجاعة”.
وتابع قائلاً: “أنا خجول أنني لست مع المقاتلين اليمنيين في الساحل الغربي وأقول يا ليتني كنت معكم أقاتل تحت راية قائدكم الشجاع والحكيم وكل أخ من المقاومة يقول ذلك”.
لقد أسس شهيد الإسلام السيد حسن نصرالله، من خلال موقفة وخطاباته نموذجا سياسي مختلف في التعاطي مع القضية اليمنية، كما استطاع أن يضع اليمن في قلب الصراع الإقليمي، حيث لم يكن صوته مجرد تعبير عن المظلومية، بل كان منارة تضيء الطريق نحو فهم أعمق للصراع وأبعاده. لقد تجاوز تأثير كلماته حدود التحليل السياسي ليصبح دافعاً حقيقياً للعديد من اليمنيين الذين أدركوا أنهم ليسوا وحدهم في معركتهم، بل هم جزء من محور مقاوم يتجاوز الجغرافيا.
صوت الحق في زمن التخاذل
لم يكن موقف السيد حسن نصر الله مع الشعب اليمني مجرد تضامن عابر، بل كان موقفًا مبدئيًا يعكس رؤيته الثابتة حول نصرة المظلومين ورفض الهيمنة. وبينما صمتت أنظمة عربية كثيرة، وهرولت بعض الدول نحو التطبيع والتواطؤ، كان صوته مدويًا في وجه الطغاة، داعمًا لصمود اليمنيين، وراسخًا في موقفه بأن هذه الحرب، مهما طالت، لن تُخضع شعبًا قرر أن يكون سيد نفسه.
وكما انتصر لبنان على الاحتلال الإسرائيلي، وكما انتصرت غزة في وجه العدوان الصهيوني، فإن اليمنيين يسيرون على ذات الدرب، يحملون وعد النصر في قلوبهم، ويجدون في كلمات السيد نصر الله صدى لعزيمتهم، ودليلًا على أن الحق، مهما تكالب عليه الأعداء، لا بد أن ينتصر في النهاية.
****
وفي الأخير نقول: ما مات من أحيا في الناس روح الجهاد، ولا غاب من أيقظ أمةً من سباتها، ولكنها سنة الله في عباده، يختار من عباده من يرفعه إليه شهيدًا، ويبقي أثره في الدنيا شهابًا يقتبس منه السائرون.
ويا أيها العدو المتربص، لا تفرح بغياب جسده، فإن من كان روحه عقيدةً، وكلمته مبدأً، وسيرته مدرسةً، لا يموت وإن توارى تحت التراب. فقد ترك في كل قلب شعلة، وفي كل يد سلاحًا، وفي كل عقل بصيرةً، فإياك أن تظن أن المقاومة تبكي رجالها لتنكسر، بل تبكيهم لتقوى، وتودعهم لتجدد العهد، وتمضي على الدرب.
فسلامٌ عليك يا ابا هادي، يوم صدحتَ بالحق، ويوم قارعت الظلم، ويوم رحلت شهيدًا على درب العظماء. طبت حيًا، وطبت شهيدا، وطاب أثرُك في الدنيا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.