الفلسطينيون يستقبلون الصواريخ: بشائر تمحو الأحزان ..المصريّون يودّعون نصر الله: ناصر آخر يغادرنا ..السوريون يفتحون أبوابهم لنازحي لبنان: لا مكان للعداوات ..الأردنيّون : السيّد باقٍ بمقاومته
الفلسطينيون يستقبلون الصواريخ: بشائر تمحو الأحزان ..المصريّون يودّعون نصر الله: ناصر آخر يغادرنا ..السوريون يفتحون أبوابهم لنازحي لبنان: لا مكان للعداوات ..الأردنيّون : السيّد باقٍ بمقاومته
الفلسطينيون يستقبلون الصواريخ: بشائر تمحو الأحزان
لم يسبق أن عاش الأهالي في كل مناطق قطاع غزة، منذ بداية الحرب، فرحاً مماثلاً لما عاشوه ليلة أمس. الآلاف من المواطنين صعدوا إلى سقوف المنازل ومراكز الإيواء لمشاهدة عشرات الصواريخ التي قطعت السماء من فوقهم، وهي في طريقها إلى قصف مستوطنات ومدن غلاف غزة، فيما شهدت الشوارع حالة من الهيجان والفرح العشوائي: أطفالٌ حملوا على أكتف آبائهم وهتفوا «لبيك يا نصر الله»، وجموعٌ بشرية هتفت بصوت واحد «إيران… إيران» و«مشان الله… إيران يلا»، قبل أن تشرع المساجد والمآذن في بثّ تكبيرات العيد، في وسط مخيم جباليا، حيث جاب الأهالي الشوارع بشكل عفوي، ليبدو المشهد كأنه العيد المرتقب للغزيّين. ومن بين من خرجوا فرحين، يقول أحمد صالح، في حديثه إلى «الأخبار»: «والله لم نفرح منذ عام كامل مثل هذا الفرح، مرّ أسبوع قاسٍ جداً، فقدنا فيه السيد حسن نصر الله، وقيادات عظيمة في حزب الله، ووصلت إسرائيل إلى أعلى مستويات التبجح والطغيان. كانت نفوسنا متصحرة ومعنوياتنا في انتظار يومٍ كهذا». أما الحاج أبو رامي، فيقول لـ«الأخبار»: «لقد شعرنا طوال الشهر الماضي، الذي كان شهر الحزن، بأننا تُركنا وخذلنا، وأنه لن يقف أحد في وجه إسرائيل وهي في ذروة استكبارها وطغيانها، وشعرنا بالذنب لأن أهلنا في لبنان يعانون ويقتلون بسببنا. لكننا اليوم نشعر بأن لنا ظهراً وسنداً وحليفاً صادقاً وحقيقياً. ولا أحد قادر على خداعنا، فقد رأينا الصواريخ مثل الحمم البركانية تدمر حقول الغاز في عسقلان، وشاهدنا النيران تشتعل وإسرائيل تحترق».
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كتب أكرم الحلاق، وهو أحد الصامدين في شمال القطاع: «لم أر في حياتي كلها فرحة على وجوه الناس كالفرحة التي رأيتها في هذا المساء، وكأن الأرواح رجعت إلى الأجساد من جديد، شكراً يا رجال الله، ثأرك بدأ يا سيّد»، فيما كتب وجدي عزام، وهو ناشط ومبادر مجتمعي في جنوب القطاع، أنه «بفضل الله ورجاله نعيش ليلة خيبرية بامتياز».
بدا حاجز «نتساريم» هشّاً ومن الممكن أن يجري اقتلاعه لو أن الضربة الصاروخية الإيرانية كانت منسّقة مع قوات على الأرض
وكان المشهد في الضفة الغربية أكثر وضوحاً؛ ففي حين شاهد الأهالي في القطاع الصواريخ الإيرانية وهي تعبر السماء تجاه أهدافها، رآها أهالي مدن الضفة ومخيماتها، وهي تهوي وتنفجر في داخل القواعد العسكرية والمطارات الحربية التي يعرفون أسماءها ويحفظونها عن ظهر قلب. ونشر المئات من النشطاء والأهالي عشرات المقاطع المصورة لحمم من الصواريخ وهي تنفجر في عمق المستوطنات والمطارات، وسط هتافات وفرح. وتعليقاً على الأمر، كتب محمد ضرغام: «هذا يوم الحقيقة التي لن يستطيع أحد طمسها. رأينا الصواريخ وهي تنفجر. رأينا هلع الإسرائيليين الذين أنفقوا المئات من ساعات البث التلفزيوني ونشروا آلاف التغريدات، ليقنعوا الناس بأن إيران هي من باعتنا لأميركا وإسرائيل. خسئوا اليوم وخسروا».
وشكّل سقوط عدد كبير من الصواريخ الإيرانية على حاجز «نتساريم» الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، الحدث الأكبر بالنسبة إلى الغزيين. وبالتزامن مع انشغال العدو الإسرائيلي في فهم ما يدور حوله، كان الآلاف من النازحين في جنوب القطاع قد وصلوا فعلاً إلى «نتساريم» من الجهة الجنوبية، وحاول بعضهم العبور، قبل أن تشرع الدبابات والمدفعية في إطلاق العشرات من القذائف تجاههم لتأمين الحاجز. وفيما لم تتضح أعداد المصابين والشهداء، بدا الحاجز، في هذه الليلة، هشاً إلى الحد الذي كان من الممكن معه أن يجري اقتلاعه لو أن الضربة الصاروخية الإيرانية كانت منسقة مع قوات على الأرض.
وبالنتيجة، عاش الأهالي في غزة يوماً مكتملاً من البهجة، بدّد حالة الانكسار المعنوي التي تسببت بها أحداث الأسبوع الماضي. يومٌ بدأ بضربات موفقة وشديدة الدقة لحزب الله على امتداد الجبهة، من الحدود حتى تل أبيب، شوهد تأثيرها بالمقاطع المصورة وبالبث المباشر، ثم تواصل مع عملية تل أبيب التي تسببت بمقتل ستة مستوطنين على الأقل وإصابة 19 آخرين، وتوّج بالرد الإيراني الدقيق والدسم والموفق. «إنها بشائر أكتوبر، تمحو أحزان أيلول»، هكذا كتب الآلاف، وهكذا شعروا فعلاً.
سوريا تفتح أبوابها لنازحي لبنان: لا مكان للعداوات
قبل أن يصل لبناني واحد إلى الأراضي السورية جراء الاعتداء الإسرائيلي على مناطق عدة في لبنان، فتح السوريون قلوبهم على مصراعيها لإخوتهم اللبنانيين، وأعلنوا استعدادهم لفتح منازلهم لاستقبال العائلات النازحة، وتقديم ما يمكنهم من مساعدة. هكذا، وبالرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها، أكد السوريون أنهم سيتقاسمون مع اللبنانيين كسرة الخبز، ويعطونهم «صدر البيت والعتبة إلهم»، متناسين كل إزعاج صدر من البعض حول وجود النازحين السوريين في لبنان والخلافات حول ذلك.
كذلك أطلق السوريون على وسائل التواصل الاجتماعي حملة بعنوان «بيتي بيتك»، تدعو إلى استقبال العائلات اللبنانية والسورية. ولاقت الحملة استحساناً واسعاً ومشاركة من عدد كبير من السوريين الذين عرضوا – بعبارات ملؤها الحب – فتحَ منازلهم واستقبال القادمين من لبنان. وبالفعل، توجّه عدد كبير من النازحين الواصلين في اليوم الأول للنزوح، إلى منازل أقاربهم ومعارفهم وعدد من المشاركين في الحملة. ومن بين هؤلاء، أيمن حيدر الذي يقول في حديثه إلى «الأخبار»: «استطعتُ تأمين مأوى لعدد من أقاربي وجيرانهم القادمين من الجنوب اللبناني، بمساعدة المشاركين في الحملة على الفيسبوك، فلم أطرق باباً وأغلقَ في وجهي، الجميع كانوا متعاونين ولم يسأل أحد عن دين أو طائفة أو جنسية، همنا كان واحداً وهو تقديم ما يلزم لخدمة أشقائنا القادمين من لبنان، سواء كانوا سوريين أو لبنانيين».
وإلى جانب الجهات الأهلية، لم تتوانَ الجهات الحكومية عن التحضير لاستقبال من سيدخل أراضيها، بتقديم التسهيلات والخدمات الممكنة، حتى و«إن طال البقاء». وبدأت التجهيزات الحكومية لاستقبال النازحين من لبنان باكراً، حيث استنفرت المحافظات الثلاث (ريف دمشق – حمص – طرطوس) المتضمنة المعابر الحدودية الخمسة (جديدة يابوس وجسر قمار وجوسيه ودبوسية ومطربا والعريضة) التي تربط سوريا بلبنان، ورفعت جاهزيتها. كما وجّهت بتعاون مديريات الصحة والشؤون الاجتماعية والنقل والسياحة وإدارة الهجرة والجوازات، مع الجهات الأهلية، لخدمة الوافدين من الجانب اللبناني. كذلك، زادت إدارة الهجرة والجوازات عدد العناصر على المنافذ الحدودية لتسهيل إجراءات الدخول في أقل وقت ممكن، في ظل معلومات غير مؤكدة عن إلغاء فرض تصريف المئة دولار على كل السوريين العائدين.
تجهيز عدد من مراكز الإيواء في دمشق لاستقبال النازحين
من جهتها، أعلنت وزارة الصحة جاهزية كل المنشآت الصحية والنقاط الطبية على المعابر الحدودية لاستقبال جميع الحالات الوافدة، وتقديم الخدمات الصحية اللازمة في المعابر وفي أماكن إقامة الوافدين. وتفيد دائرة الإعلام والعلاقات العامة في الوزارة، «الأخبار»، بأنها دخلت في حالة جهوزية كاملة منذ يوم 24 أيلول. وتعمل الفرق الطبية المنتشرة على المعابر الحدودية الرابطة بين البلدين على تقديم كامل الخدمات الطبية اللازمة، «فيما تم نقل بعض الحالات إلى مشافي دمشق كونها تحتاج إلى عناية تخصصية نوعية جراء إصابات تعرّض لها أصحابها بسبب العدوان»، علماً أنه «تم وضع جميع المشافي التابعة لمديريات الصحة في المحافظات الحدودية مع لبنان في جاهزية تامة لاستقبال أيّ حالات ورفد المعابر بسيارات إسعاف مجهزة على مدار 24 ساعة». وبحسب الدائرة، تعمل فرق الوزارة أيضاً على «تقديم الرعاية الصحية للمرضى والمسنّين، وخدمات الصحة الإنجابية، بالإضافة إلى تقديم لقاحات الأطفال والعلاج والأدوية للمصابين بأمراض مزمنة، كما يتم نقل الحالات التي تحتاج إلى دخول مشفى عبر سيارات الإسعاف، وتقدم الخدمات لهم مجاناً».
أيضاً، شاركت منظمة «الهلال الأحمر العربي السوري» في تقديم الرعاية الطبية والإسعافية والإغاثية للقادمين، وذلك عبر متطوعيها الموجودين على الحدود على مدار الساعة. كما استعدّت مديريات النقل لتأمين وسائط نقل جماعية لمن يرغبون في إيصالهم إلى مقاصدهم، فيما عمّمت وزارة السياحة على مديرياتها بتوجيه المنشآت السياحية بتقديم كل التسهيلات والخدمات الممكنة للبنانيين. كما تم تجهيز عدد من مراكز الإيواء في المحافظات الثلاث، مزودة بالمياه والكهرباء وخدمات النظافة والصرف الصحي والمواد الغذائية والأغطية والألبسة وغير ذلك.
من جانبه، يشير نائب محافظ ريف دمشق، جاسم المحمود، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن جاهزية المحافظة لاستقبال النازحين من لبنان في أعلى مستوياتها، بعد تشكيل غرفة عمليات لمتابعة كل الأمور وتقديم الخدمات والتسهيلات لهم على مدار الساعة، موضحاً أنه تم تجهيز 3 مراكز إيواء هي: الحرجلة – الدوير – التنمية الريفية في يبرود. ويضيف أن «المراكز جاهزة لإقامة وتقديم الخدمات، لكن حتى الآن لم يدخل أي نازح، سواء كان سورياً أو لبنانياً، فأغلب الواصلين اتجهوا إلى منازل أقاربهم ومعارفهم، إلى جانب دخول 1200 شخص إلى 3 فنادق في منطقة السيدة زينب، تم وضعها بالكامل تحت خدمة النازحين بتبرع من أصحاب تلك الفنادق».
على أنه لا توجد أرقام دقيقة متكاملة صادرة عن جهة رسمية توضح النسبة الدقيقة لعدد النازحين الذين دخلوا الأراضي السورية، كون الأعداد تتزايد بين الحين والآخر. إلا أنه وفقاً لتصريح المحمود، فقد دخل خلال اليومين الماضيين عبر معبر جديدة يابوس، حوالي 18 ألف سوري و6 آلاف لبناني. كما أشارت مصادر محلية إلى أن حوالي 600 سوري و1200 لبناني دخلوا عبر معبرَي جوسيه ومطربا في محافظة حمص، فيما حركة العبور من معبر العريضة في محافظة طرطوس اعتيادية ولم تشهد أيّ حالة نزوح.
المصريّون يودّعون نصر الله: ناصر آخر يغادرنا
تستمر الحكومة المصرية في منع تضامن الشعب المصري مع الشعبين الفلسطيني واللبناني اللذين يتعرّضان للإبادة الجماعية، التي قارب أن يبلغ عُمرها عاماً من التخاذل العربي والدولي أمام تلك الجريمة. إذ كان لافتاً، في اليومين الماضيين، مدى قلق الحكومة المصرية من تصاعد موجة الغضب العارمة بين المصريين بعد إعلان حزب الله استشهاد أمينه العام، سماحة السيد حسن نصر الله، في الثامن والعشرين من أيلول. فللأخير تاريخٌ محفور في ذاكرة جميع المصريين والعرب؛ إذ غادرنا في اليوم نفسه من عام 1970 الزعيم جمال عبد الناصر، الذي لم يرَ المصريون مثيلاً له على الساحة العربية إلا الشهيد نصر الله، الذي يُذكِّر المصريين بـ«ناصر» المستضعفين منهم، وبتاريخ صراعٍ كان فيه المصريّ في مقدمة قافلة الشهداء على طريق تحرير أراضينا العربية المحتلة.وتجلّى هذا القلق في منع السلطات المصرية التظاهر للتضامن مع لبنان الذي يتعرّض، بالإضافة إلى العدوان الإسرائيلي، لحصار عسكري ووقف لحركة الطيران فوق أراضيه، وسط فرض قوّات الشرطة تشديداً أمنياً في محيط السفارتين الأميركية والإسرائيلية ومحاصرة ميدان التحرير ومحيط مقر نقابة الصحافيين. ويأتي هذا المنع على الرغم من أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أعلن، خلال اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، السبت الماضي، تضامن مصر مع لبنان وشعبه، ودان التصعيد الإسرائيلي، وشدد على ضرورة الوقف الفوري والشامل والدائم لإطلاق النار في لبنان وغزة، ووجّه بإرسال مساعدات طبية وإغاثية طارئة إلى لبنان.
واستكمالاً لمسار الإسكات بالقمع الأمني والاعتقالات بحق المصريين المتضامنين مع الفلسطينيين منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تفيد مصادر «الأخبار» بأن الجهات التابعة لوزارة الداخلية، رفضت خلال اليومين الماضيين، طلبات للحصول على إذن لإقامة وقفات تضامنية عقب اغتيال السيد نصر الله، وأن قوّات الأمن فرضت حصاراً على وقفة تضامنية نظّمها «التيار الناصري الموحّد» أمام مقر «الحزب العربي الناصري». كما منعت القوى الأمنية المارّة من المشاركة في صلاة غائب أقامها المشاركون على روح الشهيد القائد. ومع ذلك، أعلن «الحزب العربي الناصري» إقامة عزاء للشهيد السيد في مقر الحزب في ميدان طلعت حرب، وسط القاهرة، في السابعة مساءً من يوم الخميس المقبل.
أيضاً، أصدر عدد من الأحزاب والحركات السياسية المصرية بيانات، قدّمت فيها تعزية إلى الشعب اللبناني والحاضنة الشعبية للمقاومة الإسلامية باستشهاد قائدها، ودانت التصعيد المستمر من جانب الكيان الصهيوني. ومن بين تلك الجهات: «الحركة المدنية الديموقراطية» و«التيار الناصري الموحَّد»، و«حزب الكرامة» و«الحزب العربي الناصري» و«الحزب الشيوعي المصري» و«الحزب الاشتراكي المصري»، و«حزب التحالف الشعبي الاشتراكي»، و«الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي»، و«حزب العيش والحرية» و«حركة الاشتراكيون الثوريون».
يؤكد النشاط الأبرز على مواقع التواصل الاجتماعي أن الغالبية العظمى من المتفاعلين محزونون على استشهاد السيد نصر الله
وفي ظل غياب إمكانيات إقامة أي فاعليات شعبية كبيرة، وسط التشديد الأمني، لم يجد المصريون مكاناً ليعبّروا عن حزنهم وغضبهم إلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتداولون صور السيد نصر الله ومقاطع من خطبه، ويكتبون الرثاء والخواطر، ويطمئنون أنفسهم والآخرين بأن المقاومة لا تزال بخير، حتى إن البعض يشارك كلمات الإمام الحُسين والسيدة زينب. وأثار استشهاد السيد نصر الله في ذكرى وفاة عبد الناصر مقاربات عديدة لشخصية كلّ منهما ودورهما، وقال البعض إنهم بكوا على رحيل الأول، كما بكوا على رحيل الثاني منذ أكثر من خمسة عقود، وإن الخسارتين لا فارق كبيراً بينهما. وكان نشاط الأجيال الصغيرة على وسائل التواصل الاجتماعي لافتاً، إذ عبّر البعض عن حُزنهم على رحيل سيد شهداء المقاومة، وأشار بعضهم إلى أنهم عرفوا في اللحظة التي وصلهم فيها خبر استشهاده كيف شعر آباؤهم وأجدادهم يوم رحيل عبد الناصر. كما شارك البعض صور وخطب عبد الناصر ونصر الله، فيما تداول آخرون منشورات تدين موقف الحكومة المصرية وترفض معاهدة «كامب ديفيد» واتفاقية «السلام».
ولم يخلُ مشهد وداع المصريين لنصر الله من مظاهر سلبية؛ إذ شنّ إعلاميون مصريون يوصفون بـ«سيئي السمعة»، على شاكلة أحمد موسى وعمرو أديب وإبراهيم عيسى ونشأت الديهي، هجوماً مُبطَّناً على حزب الله باستخدام خطاب انهزامي، فيما هاجم آخرون، يعملون في قنوات ناطقة بلسان «جماعة الإخوان»، الحزب من بوابة انخراطه في معركة سوريا. كما كان لافتاً أن بيان «حركة الاشتراكيين الثوريين» استدعى أيضاً هذا الانخراط، معتبراً أن السيد نصر الله كان «أحد أسباب هزيمة الثورة في سوريا».
وعلى خط مواز، كان الخطاب نفسه يُروّج ويُتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين عدد من المصريين بطرق مختلفة. والواقع أن لهذه المظاهر السلبية ما يفسِّرها، إذ إن خطاب الإعلام المصري، الرسمي وغير الرسمي، وأيضاً خطاب الإعلاميين الناطقين بلسان «جماعة الإخوان»، لم يتوانَ عن ترويج البروباغاندا الغربية عن الحرب في سوريا منذ اندلاعها، فيما لا تزال أقسام من المعارضة المصرية، من يمينها إلى يسارها، مُتأثّرة بذلك الخطاب أو حتى ناطقة به رغم تكشُّف الحقائق. كما يمكن إرجاع تلك المظاهر إلى وعيٍ زائف بحقائق الحرب الإمبريالية على سوريا، والتأثّر بالسردية الغربية أو بالخطاب الطائفي أو بنزعة وطنية شوفينية.
ومع ذلك، يؤكد النشاط الأبرز على مواقع التواصل الاجتماعي، على مدار اليومين الماضيين، أن الغالبية العظمى من المتفاعلين محزونون على استشهاد السيد نصر الله وغاضبون من النشاط الديبلوماسي عديم القيمة الذي تمارسه الحكومة المصرية إزاء الإبادة الجماعية في غزة ولبنان. ويشكل ارتقاء سيد شهداء المقاومة، الذي يمثل بالنسبة إلى هؤلاء صوت المستضعفين وناصرهم، ومُذِلّ المستكبرين وهازمهم، ورمز كفاح الأمة العربية والشعوب الحرة، مصيبة أصابت الكفاح العالمي من أجل حياة أفضل للجميع، وحركة التحرر العربية بشكل خاص. ولكن هذه الأخيرة، رغم الهزائم المتتالية التي لحقت بها منذ عام 1967 حتى عام مضى، ما زالت تقاوم وتنتزع من الوجود حيِّزاً بات يشمل جبهات متعددة، ويتوسَّع باستمرار، ولا سيما أن العالم العربي وحركة تحرره لم يشهدا انتصاراً بحجم «طوفان الأقصى» منذ هزيمة عام 1967، واليوم يستكمل محور المقاومة مسار التحرير ويُعيد إلى أذهان الأمة الحقائق المنسيَّة ووجودية الصراع مع الكيان الصهيوني. كما يعتبر هؤلاء أن حركة التحرر التي أنجبت نصر الله وعبد الناصر، ولّادة لا تنضب. وحزب الله، وهو رأس حربتها، سيكمل مسار التحرير على طريق القدس، وسيقدِّم مع محور المقاومة والشعب العربي ألف نصر الله وألف عبد الناصر. ورغم أن الاثنين لا يمكن تعويضهما، إلا أن عجلة التاريخ لن تتوقف، وقافلة التحرر ستتقدم في مسارها.
الأردنيّون يودّعون السيّد: باقٍ بمقاومته
أسوة بغيرهم من الشعوب العربية والإسلامية، تلقّى الأردنيون نبأ استشهاد الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، بحزن شديد وصدمة كبيرة. وامتلأت منصات التواصل الاجتماعي التي توشّحت بالسواد، بنعايا الأردنيين، والتنديد بجريمة الاغتيال. كما ندّد طيف واسع من الشخصيات الوطنية والحزبية والسياسية بهذه الجريمة. وبدعوة من «الحزب الشيوعي الأردني» و»حزب الوحدة الشعبية الديموقراطي الأردني»، عُقد، أول من أمس، بيت استقبال للعزاء والتهاني باستشهاد نصر الله في عمّان، في حين أكد قادة الحزبين وقوفهم مع المقاومة في لبنان وفلسطين في وجه الاحتلال. وشدد عدد من الشخصيات التي توافدت إلى بيت العزاء، وفي مقدّمهم المناضلة الفلسطينية، ليلى خالد، والشخصية القومية المصرية، حمدين صباحي، على ضرورة التحرك السريع للمطالبة بوقف العدوان على غزة ولبنان.وقال الكاتب السياسي، ماجد توبة، إن «خبر استشهاد السيد حسن نصر الله وعدد من قيادات المقاومة اللبنانية البطلة وقع كالصاعقة على السواد الأعظم من أبناء الشعب الأردني»، مضيفاً أن «حالة من الحزن والغضب الشديد سيطرت على الأردنيين أسوة ببقية الشعوب العربية والإسلامية، إزاء هذه الجريمة النكراء».
وتابع توبة أن «هناك حالة من القلق الحقيقي وعدم اليقين انتابت الجميع، بعد الغرور الذي أصاب الكيان الصهيوني وإقدامه على اغتيال الشهيد نصر الله وأصحابه. إلا أن الجمهور في المنطقة بدأ يستعيد ثقته وطمأنينته بأن المقاومة ستبقى قوية». وأكد أن «حزب الله»، منذ بدء معركة «طوفان الأقصى»، نال «الكثير من الدعم الشعبي في الأردن نتيجة وقوفه وانخراطه التام مع المقاومة الفلسطينية، حتى في أوساط من كان لديهم موقف من تدخل الحزب في الأزمة السورية».
بيت استقبال للعزاء والتهاني باستشهاد نصرالله في عمّان
وحول موقف الأردن الرسمي، أشار توبة إلى أن «هناك خلافاً معلوماً بين الحزب والأردن، وعمان تكتفي بالمواقف تجاه العدوان على لبنان والحرب التي يشنّها الكيان على غزة». وأعرب عن تفاؤله الكبير بقدرة المقاومة اللبنانية على كسر غطرسة جيش الاحتلال ودحره في المعركة البرية، رغم الضربات القوية التي تلقاها حزب الله في آخر أسبوعين، موضحاً أن «تفاؤله ينبع من خبرة المقاومة الطويلة في محاربة هذا الكيان المحتل».
وقال عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأردني، عمر عواد، من جهته، إن «تنظيم الحزب لفعاليات التضامن وإقامة بيت العزاء، يمثّلان دعماً للشعب اللبناني ومقاومته الباسلة من جانب، وتنديداً بالجرائم الكبرى التي اقترفتها وما زالت دولة الاحتلال من جانب آخر». واعتبر عواد أن «توقيت اغتيال الشهيد نصر الله وأصحابه المقاومين، خطير، وهو بمثابة تسعير للحملة العدوانية التي تقودها دولة الاحتلال تجاه شعوبنا». ودعا شعوب المنطقة إلى «رص الصفوف وقطع الطريق على أيّ خطاب يراد منه شقّ وحدة صف الأمة ومقاوميها»، داعياً كذلك إلى قطع الطريق على أيّ خطاب طائفي وُظّف على مدار السنوات الماضية من أجل تشتيت الوعي العربي وتشتيت الشارع العربي. بدوره، قال عضو المكتب السياسي لحزب «الوحدة الشعبية»، فاخر دعاس، إن «استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله كان فاجعة كبيرة وضربة قاسية لمحور المقاومة وحركاته في لبنان وفلسطين. كما كان ضربة لثقة جمهور المقاومة في عموم الوطن العربي، بما في ذلك جمهورها في الأردن، إذ إن عملية الاغتيال تركت تأثيراً معنوياً وعاطفياً كبيراً لأن الشهيد لم يكن مجرد قائد فحسب، بل رمزاً خالداً للملايين على مدار عشرات السنوات». وأضاف دعاس أن «السيد نصر الله كان يُنظر إليه كأمل ورمز قادر على كسر شوكة الكيان وأنه يمثل هاجساً كبيراً لدولة الاحتلال، ويتّضح ذلك من حجم النشوة التي عبّر عنها الإسرائيليون بعد اغتيال زعيم المقاومة اللبنانية».
الأخبار اللبنانية