استعدادات يمنيّة لـ«المرحلة السادسة»: واشنطن «تحيّد» حاملات طائراتها
ضاعفت جبهة الإسناد اليمنية هجماتها في عمق الكيان الإسرائيلي خلال الساعات الـ 72 الماضية؛ إذ أعلنت القوات المسلحة اليمنية، أمس، استهداف عدد من الأهداف العسكرية والحيوية للعدو الإسرائيلي في منطقتَي يافا وعسقلان، جنوب فلسطين المحتلة، بعدد من الطائرات المسيّرة، مشيرةً إلى أنّها «أصابت أهدافها بدقة». وكان المتحدث باسم قوات صنعاء، يحيى السريع، قد أعلن، مساء السبت، تنفيذ عملية هجومية باستخدام عدد من الطائرات المسيّرة المحلية، والتي طاولت هدفاً حيوياً في إيلات. في المقابل، أفادت وسائل إعلام عبرية عن تعرّض تل أبيب لهجوم يمني خلال الساعات الماضية، هو الثاني في غضون يومين، فيما أكدت وسائل إعلام أميركية وقوع عملية يمنية «مزدوجة» ضد الكيان الإسرائيلي، السبت. من جهتها، أوضحت مصادر عسكرية مطلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ عمليات القوات اليمنية البحرية والجوية ضد الكيان، والتي تجري في إطار «المرحلة الخامسة» من عمليات الدعم والإسناد للشعبين الفلسطيني واللبناني، بلغت ذروتها أخيراً، في مؤشر إلى أن صنعاء تستعد للانتقال إلى «مرحلة سادسة» من تلك العمليات خلال الفترة القادمة. وطبقاً للمصادر، فمن المتوقع أن تدخل أسلحة جديدة محلية الصنع حيّز الاستعمال في إطار المرحلة المشار إليها.
وتزامن التصعيد اليمني الجديد مع إرسال الولايات المتحدة، السبت، القاذفات الاستراتيجية «بي – 52» إلى منطقة عمليات «القيادة المركزية» في البحرين، في خطوة لمست فيها صنعاء تصعيداً أميركياً جديداً ضدها، ولا سيما بعدما نجحت القوات اليمنية، الأسبوع الماضي، في استهداف حاملة الطائرات الأميركية «أبراهام لينكولن» شرقي البحر العربي، رغم الجهود الأميركية لوقف العمليات اليمنية في تلك المنطقة. ووفقاً لمراقبين، فإن استدعاء البنتاغون لهذا النوع من القاذفات التي استخدمتها واشنطن في استهداف العاصمة صنعاء ومحافظة صعدة، منتصف تشرين الأول الفائت، يؤكد أن العمليات اليمنية ضد البوارج والمدمرات وحاملات الطائرات الأميركية كانت مؤثرة، لافتين إلى أنّ «واشنطن تتبنى حالياً خطة بديلة، تعتمد على التصعيد الجوي وتجنيب حاملات الطائرات المزيد من الهجمات اليمنية». ويرجع ذلك، طبقاً للمصادر نفسها، إلى أنّ واشنطن تعيد «مراجعة حساباتها» أخيراً، حول عدم جدوى استخدام أسطولها البحري في مواجهة قوات صنعاء، وسط حديث متزايد في وسائل الإعلام الأميركية عن التكلفة الباهظة للمواجهات البحرية التي تخوضها الولايات المتحدة في البحر الأحمر، جنباً إلى جنب فشل العمليات البحرية الأميركية في ردع الهجمات اليمنية ضدّ السفن الإسرائيلية. وعلى سبيل المثال، أورد «معهد البحرية الأميركية»، الجمعة، تقريراً جاء فيه أنّ المليارات التي تنفقها القوات البحرية الأميركية في البحر الأحمر، لا تؤدي إلى نتيجة «حاسمة»، مطالباً بإيجاد «بدائل أخرى وأقل تكلفة للضغط» على قوات صنعاء.
وكانت «القيادة المركزية الأميركية» قد نشرت مقطع فيديو للحظة تحليق قاذفات «بي – 52» في منطقة عملياتها، مشيرةً، في تغريدة مقتضبة، إلى أن التحليق تمّ في الـ 13 من الشهر الجاري، وهو اليوم نفسه الذي شنت فيه القوات اليمنية هجوماً واسعاً على البوارج الأميركية في البحرين العربي والأحمر. ورغم فشل الهجوم الذي نفذته واشنطن ضد صنعاء، في تشرين الأول، بواسطة ذلك النوع من القذائف، إلّا أن إعادة استخدامها مدفوع، على الأرجح، باعتبارات عدة، من بينها تخوف واشنطن ممّا تزعم أنها إمكانية «حصول صنعاء على دفاعات جوية حديثة من روسيا». كما أنّ تلك القاذفات تمتلك قدرة التحليق لمسافات بعيدة، ما يوفر للولايات المتحدة بديلاً من حاملات الطائرات التي أصبحت في مرمى الأهداف اليمنية. وبعد أيام قليلة من استهداف حاملة الطائرات «لينكولن»، بدأت الولايات المتحدة، بالفعل، في بحث إنشاء قواعد تكون بمثابة بديل من حاملاتها. ونقلت وسائل إعلام مقرّبة من حكومة صنعاء عن مصادر دبلوماسية قولها إنّ وزارة الدفاع الأميركية طلبت من السعودية السماح لها باستخدام قواعد على أراضيها، لمواجهة ما وصفته بالتهديدات المتصاعدة من «الحوثيين». وإذ أشارت المصادر إلى أنّ الرياض لم تردّ بعد على الطلب الأميركي، فقد استبعدت أن توافق الأخيرة عليه. وكان وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، قد أوفد مساعدته للشؤون الدولية، كيلي سبولت، إلى السعودية، الأسبوع الماضي، حيثُ التقت قائد الدفاع الجوي السعودي، تركي بن بندر بن عبد العزيز، وناقشت معه «التعاون المشترك لمواجهات التهديدات الإقليمية»، وفقاً لما نقلته وسائل إعلام سعودية. وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة تحتفظ بقواعد على الأراضي السعودية منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أنّه لم يسبق لها أن استخدمتها في الحرب على اليمن، تخوّفاً من عواقب مثل تلك الخطوة. إلا أنّ تلك القواعد، استُخدمت، طبقاً لما تؤكده مصادر عسكرية يمنية طوال الأشهر الماضية، في تأمين الدعم اللوجستي والاستطلاع وغيرها من أشكال المساعدة. ويأتي تحريك واشنطن لملف القواعد التابعة لها في السعودية، في أعقاب اعتراف «البنتاغون»، الخميس الماضي، بتعرّض بارجتين تابعتين لها لهجوم يمني في البحر الأحمر، ما يعكس فشل آخر أوراق واشنطن البحرية في الضغط على صنعاء عسكرياً، وتحييد عملياتها البحرية ضد السفن الإسرائيلية والمرتبطة يالكيان. وعلى ما يبدو، ليست الولايات المتحدة وحدها التي «تُراجع» المخاطر المحيطة بأصولها، إذ أعلنت إيطاليا سحب مدمرة جديدة من البحر الأحمر، عقب الهجوم الجوي الواسع على البوارج الأميركية.
وبالتوازي مع إعلان مجلس الشيوخ الفرنسي إدانة الحصار اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، قالت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية انيكا أدريس، أمس، إنّ الغرب بات يعوّل على دور مصري بشأن العمليات اليمنية، نظراً إلى أنّ الأخيرة «تؤثر على الملاحة في قناة السويس»، فيما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المسؤولة تلمّح إلى إمكانية تشجيع مصر على تنفيذ ما فشل الاتحاد الأوروبي في القيام به، أو أنها تحاول فتح قنوات دبلوماسية تتيح التواصل مع صنعاء، لـ«احتواء» التصعيد.
رشيد الحداد